عائلة سوريه تقضي وقتا في جانب نهر في دمشق
إحدى العائلات تقضي "تكريزة رمضان" في دمشق/ شباك سوري
article comment count is: 0

سوريون يُعيدون إحياء “تكريزة رمضان”

بلباس شعبي، وطربوش ونرجيلة، وأشهى الأكلات والحلويات مع عدة السيران كاملة، قرّر هيثم طباخة ورفاقه أن يمضوا آخر جمعة قبل شهر رمضان جانب نهر بردى في منطقة الربوة، مستعيدين ذكريات ما كان يُعرف قديماً بـ “تكريزة رمضان”، وهي عادة دمشقية عمرها عشرات السنين، يتوجه خلالها الأهل والأصحاب إلى بساتين دمشق، قبيل استقبال شهر الصوم. ويُمضون وقتاً في التسالي واللعب والأغاني الشعبية، بالإضافة إلى تحضير أشهى المأكولات والحلويات.

ورغم أن هذه العادة كادت أن تُنسى خلال السنوات الأخيرة بسبب الحرب  وانشغال الناس بتأمين مستلزمات الحياة، وتوجه الأجيال الجديدة نحو التكنولوجيا، إلا أن الكثير من أبناء دمشق أعادوا إحياءها هذا العام، وإن تغيّر شكلها مع تغيّر الزمن، لكن بقيت محافظة على أساس مضمونها.

وكحال هيثم طباخة ابن حي العمارة في دمشق، توجّهت عشرات العائلات الأخرى نحو بساتين الغوطة ووادي بردى والربوة والهامة، في “فسحة وداع لما لذ وطاب” من الأطعمة البيتية قبل الابتعاد عنها خلال أيام الصيام.

ويقول سليم حسيبي، وهو رجل ستيني مواظبٌ على عادة التكريزة: “كنّا دائماً نذهب إلى المليحة في الغوطة، وأحاول قدر المستطاع نقل العادات الجميلة لأبنائي وأحفادي، وأجد صعوبة في المحافظة عليها، لا سيما أن المناطق التي يمكن أن نقضي فيها سيران باتت محدودة، أحب الجلوس على الأرض، وأمدد قدماي، وأضع إبريق الشاي من جانب، والنرجيلة من جانب آخر، وأستمتع بمشاهدة أبنائي حولي يلاعبون أولادهم ويمازحون بعضهم”.

يحرص سليم على جلب الراديو القديم معه ليستمع إلى أغاني أم كلثوم وعبد الحليم، ويُمضي مع عائلته يوماً كاملاً من أذان الظهر حتى أذان المغرب، ليعودوا جميعاً مساءً “محمّلين بالكثير من الصور والضحكات”.

أما عمار، الابن الأكبر لسليم، فاختصر التكريزة بجملتين اثنتين وقال: “التكريزة يعني المشاوي والقطايف”، ويشرح: “اعتدنا الذهاب مع والدي كل عام في هذا السيران، وننتظره بفارغ الصبر، لأن اجتماع العائلة بات محصوراً بالمناسبات الاجتماعية”.

تخرّج عمار من كلية التربية، ويعمل حالياً مدرّساً لمادة الجغرافيا، ويقول الشاب العشريني: “لا يعرف الكثير من أبناء الجيل الحالي هذه العادات، ولم يبقَ في هذه الأيام سوى عدد قليل من الأسر الشامية التي ما زالت تواظب على هذه التقاليد قبل أيام من بدء شهر رمضان”.

يستعد عمار لبدء جولة جديدة من لعبة الطاولة مع والده، بينما تنشغل أمه بالحديث مع زوجات أبنائها لتعلّمهم كيفية إعداد الملوخية أو وضع المقادير المناسبة لأكلة المحاشي، ويقول أبو عمار: “اختلف شكل التكريزة اليوم عن شكلها بالماضي، قديماً كانت أجمل وأبسط وتحمل معاني الإلفة ولم شمل العائلة، أما اليوم فهي غالباً تكون بمطعم أو مقهى، ويغلبُ عليها التقاط الصور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.. أفضّل شكلها القديم”.

وعلى الطرف الآخر من دمشق، توّجهت عائلة حسني سكر إلى فسحة على طريق مطار دمشق الدولي، وافترش مع ابنه وزوجته العشب، وجلسوا جميعاً على الأرض أيضاً.

ويقول عن التكريزة: “نحضر معنا بعض الألعاب الشعبية مثل النرجيس والطاولة قبل التفرغ للعبادة خلال شهر رمضان، وفي جعبتي دائماً الكثير من الحزازير والحكايا التي أخزنها لهذه السيارين”.

يفتقد حسني هذا العام لابنه مروان الذي سافر إلى هولندا قبل خمس سنوات، ولم يره منذ ذلك الوقت، يتواصل حسني مع ابنه عبر الهاتف ويبادله الأحاديث ويحاول أن ينقل له مجريات التكريزة لهذه السنة، ويقول مروان عبر الهاتف: “أذكر تماماً أن عمي الأكبر كان يدعونا جميعاً إلى تكريزة رمضان، وكنّا نجلس بجانب السكة في آخر شارع الربوة، لكن اليوم أجد أنه من الصعوبة تكرار الحالة في أمستردام، أجواء رمضان هنا مختلفة تماماً”.

ولا يوجد أصل لغوي في العربية لكلمة تكريزة لكن الباحث والمؤرّخ الدمشقي، نصر الدين البحرة، يقول: “يذهب بعضهم إلى تفسير التكريزة على أنها فسحة وداع لما لذ وطاب، يعيش المرء بعدها بعيداً عن ملاذ الحياة الدنيا في روحانية رمضان والتعبد لله”.

أما الباحث التاريخي، رامز عطا الله، فقد رجّح أن أصل كلمة تكريزة هو سوري قديم، والبعض حوّلها إلى كزدورة، لكن “من المعروف أن الكزدورة هي لمشوار قصير المسافة بينما التكريزة لمسافة طويلة”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً