معرض "صور سورية" لدعم شباب من مختلف المناطق والأديان- سهى حسن/ شباك سوري
article comment count is: 0

والفن قد يجمع ماتفرقه الاختلافات

خلال الأسبوع الأخير من شهر آذار الفائت، وعلى جدران صالة عرض “قزح” وسط دمشق القديمة وبتنظيم  “ملتقى الحكايا الثقافي”، قدّم ثمانية فنانين سوريين شباب أعمالاً تشكيلية متنوعة ضمن معرض حمل عنوان “صور سوريّة”.

للوهلة الأولى، يبدو لزوّار الصالة وكأنه معرض فنّي جماعي كغيره من الفعاليات التي يشارك فيها عدد من الفنانين بأعمال مختارة لهم، لكن الحكايات التي تخبئها لوحات هذا المعرض بين تفاصيلها تخبرنا بأكثر من ذلك، وتروي لنا كيف يمكن للفن أن يكون عابراً للاصطفافات والانقسامات التي عصفت بالمجتمع السوري على مدار السنوات الفائتة.

فن مع الطبخ والحوار والتعارف

المعرض هو الفعالية الثانية التي ينظمها ملتقى حكايا الثقافي الذي انطلق في مدينة جرمانا بريف دمشق الشرقي منذ حوالي عام ونصف، كمحاولة لتقديم الثقافة بمعناها الحقيقي وتفعيلها ضمن المجتمع باعتبارها ضرورة إنسانية في كل زمان ومكان، وعلى الأخص في زمن الحرب التي تغيّر كافة المفاهيم وتقلبها رأساً على عقب.

“هدِفَ المشروع لدعم مجموعة من الفنانين الشباب وتطوير تجربتهم، وفي الوقت ذاته جمع أشخاص من بيئات وخلفيات اجتماعية وثقافية وحتى دينية متنوعة، لخلق حالة من الانسجام الاجتماعي، وما أحوجنا إليها اليوم في سوريا”، تشرح منال اسماعيل وهي مديرة ملتقى حكايا.

بذلك وقع الاختيار على ثمانية فنانين من حلب وحمص ودمشق والسلمية والسويداء من خريجي وطلاب كلية الفنون الجميلة والمعهد العالي للفنون المسرحية، واجتمعوا في مقر الملتقى لعدة أسابيع متتالية منذ بضعة أشهر للتحضير للمعرض وإنجاز اللوحات.

وتضيف منال في حديثها: “كنا نقضي كل يوم أكثر من عشر ساعات سوية. عملنا أولاً على تأمين كافة مستلزمات الرسم للفنانين، لكنني اعتقدت بأننا نحتاج أكثر من ذلك، فاقترحت أن نخصص جزءاً من اليوم للطبخ والتعارف وتبادل الأفكار وحتى الثقافات، وانتهينا “بطبخة” اجتماعية مميزة وبقضاء وقت ممتع ومريح”.

ساهم إعداد الطعام كما تقول منال بتعريف الشباب ببعضهم وببيئات شعبية جديدة لم يعرفوها من قبل، وبالتالي بردم هوّة قد تفصل أحياناً بين مكوّنات المجتمع السوري حين لا تتوفر المعرفة الكافية حولها. “أنا شخصياً تذوقت أصنافاً لم أعرفها من قبل، مثلاً من السويداء أو دمشق، وصرت أعدّها في منزلي وكأنها جزء من حياتي اليومية”.

والنتيجة كانت بالنسبة لمنال أكبر من المتوقع، فمعظم المشاركين لم يكتفوا بإنجاز لوحة أو لوحتين فقط كما كان مطلوباً للمعرض، وبعضهم رسم حتى خمس لوحات وأهدى بعض أعماله للملتقى. “مستوى الألفة والعفوية بيننا كان مرتفعاً جداً. لم يكن من السهل جمع فنانين لا توجد بينهم جميعاً معرفة مسبقة في مكان واحد لهذه الفترة الطويلة. بعضهم كان منعزلاً في البداية، وآخرون لم يتمكنوا من الرسم أمام الغرباء، لكن النتيجة النهائية جاءت إيجابية للغاية”.

بقعة ضوء وسط مشهد معتم

تعتبر منال بأن تجربة “صور سوريّة” دليل على قدرة الفن على تخطي عتبة الاصطفافات والتعامل مع الحالة الإنسانية فقط، وترى بأن معظم السوريين اليوم “متعبون ويبحثون فقط عن بقعة من الجمال وسط البشاعة التي يعيشونها”.

يتفق سليمان أبو سعدا وهو من الفنانين المشاركين مع هذا الرأي، ويعتقد بأن قيمة مضافة أخرى لهذه التجربة هي في تمكّن الفنانين الشباب، ورغم اختلافاتهم، من إبراز أساليبهم وانتماءاتهم الفنية الخاصة، ثم عرضها بتوليفة جماعية منسجمة. “تجربة مختلفة أرى بأنها يجب أن تستمر وتتعمم في سوريا، فهي أتاحت لي التفرّد والاندماج بالمجموعة في آن معاً”، يقول أبو سعدا (24 عاماً).

بالنسبة للفنان حسن الماغوط (32 عاماً) والذي شارك بالمعرض أيضاً، فالفن ليس بالضرورة عابر للاختلافات فهو يعكس الواقع، والواقع ليس وردياً بالضرورة، لكنه في نهاية المطاف دعوة للسلام والجمال والابتعاد عن التفاصيل الإشكالية الصغيرة التي لا أهمية لها، ومن هنا يرى أهمية هذه التجارب المشتركة التي تفسح المجال للتعاون وتبادل الخبرات والثقافات.

أما شادي الملحم، وهذه أولى مشاركاته في معرض جماعي، فيرى بأن الفنون والاحتكاك المباشر بثقافات أخرى ترمم الثغرات بين الأشخاص، وتلغي الحاجة لأي أحكام مسبقة أو حساسيات مرتبطة بمن لا نعرفهم حقيقة، ويضيف الفنان ذو الأعوام الإحدى والعشرين في حديثه: “جاء المعرض كنشاط متكامل بين الثقافة والطبخ والموسيقا والتعارف، فتحوّل لملتقى ثقافي بحق، وأضاف لنا ولشخصياتنا وفنّنا الكثير”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً