“يلي الهوى رماك يا ناعم.. ياما عركوك بالليالي يا معروك.. يا جبار يا كريم.. قرّب ع الطيب يا طيب.. حلوة يا قشطة.. يلي بياكل تازا ما بيتآذى..” بهذه العبارات وغيرها يُنادي أصحاب المحال في سوق الجزماتية بحي الميدان على بضاعتهم التي مدّت أياديها على الأرصفة وتطاولت أعناق أصحابها فوق الأواني المعدنية، وهم يزّينوها ويرتّبوها، ويعرضونها بشكل يومي خلال شهر رمضان، الذي يحتفي فيه سكان دمشق بكثير من اللهفة، ويتفنّنون في تزيين موائدهم مما لذّ وطاب من الحلويات والمأكولات والمشروبات.
لا زالت دمشق تحتفظ بكثير من عادات رمضان، لا سيّما تلك المتعلقة بالمائدة والأسرة التي تلتفّ حولها لتبدأ بـ بسم الله، وشربة ماء، ثم ثلاث حبات تمر، يفتتح أهل الشام إفطارهم الرمضاني، ثم يشربون كأساً من الماء، ويتلون دعاءهم “اللهم لك صمت.. وعلى رزقك أفطرت”
ولا تبتلّ العروق ويذهب الظمأ إلا بأشربة رمضان الباردة، التمر هندي والعرق سوس، أو الجلّاب أو الليمون، سرعان ما تفرغ كؤوس الشراب في رمضان عندما يأتي في الصيف، كي تذهب ظمأ حرّ نهار طويل.
ومهما كانت المائدة تحتوي من لحوم وكبب وأرز، يبقى خبز المعروك مفضّلاً لدى معظم عوائل دمشق، ولا سيما عند الأطفال، الذين يفضلونه على الخبز العادي، وأي معروك أطيب وألذّ من ذاك الذي يخبز حي باب سريجة.. ويمتاز المعروك بأنه الأكلة التي ترافق الصائم طيلة السهرة، فيبقى الرغيف على الطاولة، وتمتدّ الأيادي إليه كل حين حتى ينتهي قبل حلول موعد السحور.
ويترّد مثل شعبي على ألسنة أهل الشام حين يختتمون طعامهم ويقولون: “في المعدة خلوة..لا تملؤها إلا الحلوى” في كناية على أن السفرة الرمضانية لا تكتملُ بدون حلويات الميدان المبرومة والقطايف والمعمول والعوامة والمحلاية والنابلسية وغيرها من الأكلات اللذيذة.
لكن مع غلاء الأسعار، قد يلجأ البعض إلى نوع آخر من الحلويات، أبرزها خبز الناعم المقرمش، والمزيّن بدبس العنب، والمسمّى بتحلاية الفقراء والأغنياء على حدّ سواء، ويُمكن أن يغني عن باقي الحلويات التي لا يملك الجميع طاقة شرائها.
يفرغ أهل دمشق من طعام فطورهم، ويتحضرون للتوجه إلى صلاة التراويح، ويلتقي الجيران والأصحاب في الأحياء الشعبية ببعضهم البعض، ويتوجهون إلى المساجد والجوامع من أجل الدعاء والصلاة في طقس تحرص الكثير من العوائل على المحافظة عليه، ويشرع الكثير من المصلين في ختم القرآن الكريم من خلال صلاة التراويح طيلة الشهر الفضيل.
وبعد صلاة العشاء كلّ يوم في شهر رمضان، يرتدي الحكواتي أحمد اللحام طربوشه وجلبابه الشعبي، ثم يعتلي كرسيه الخشبي في قهوة النوفرة وسط دمشق القديمة، ويبدأ تلاوة حكاية من حكاياته التاريخية، عن مغامرات عنترة بن شداد، وعن فضائل العرب ومكارم أهل الماضي.