أعيش في دمشق في منذ 2007 لم تفقد هذه المدينة قدرتها على خلق الدهشة بالنسبةِ لي بالرغم من قسوتها اليومية وقدرتها على طحن أصغر شعورٍ من المُمكن أن تشعر به.
الكثير من الشباب ممن يعملون بالتصوير أو الهواة لهذه المهنة فقط؛ يقومون بإظهار دمشق بأبهى حللها حيناً وبأقساها حيناً آخر.
سؤالٌ راودني عن اختلاف الإحساس عندما تنظر لدمشق من الأعلى مُقارنة بـ عندما تكون في جوفها بين زحمة شوارعها ومواصلاتها؛ دمشق من الأعلى المشهد الذي طالما تغنى به الشعراء والأدباء “ياشام يا شامة الدنيا ووردتها يامن بحسنك أوجعتي الأزاميلا” نزار قباني.
غريب هو الشعور الذي تعطيك إياه من انشراح قلبك وصدرك مُقابل الضغط الذي تشعر به عندما تمر بشارع الثورة أو البرامكة مثلاً؛ لم أجد له جواب فقمت بطرح السؤال على ممن يوثق الحالتين أو يعيشهما.
حسن بلال 28 عاماً يعيش في دمشق منذُ 2018 ويحترف مهنة التصوير “لا يوجد لدي مشاعر تجاه تصوير دمشق من الأعلى لأنه من زمن بعيد لم يعد مُتاح الصعود إلى قاسيون ورؤية دمشق من الأعلى لم يعد الأمر سهلاً فأنا تقريباً لا أعرفها من فوق؛ إضافة لوجود الكثير من الصور في مُخيلتي كنت أراها قبل الحرب وأحلم أن أقوم بتصويرها وتجريبها بعدستي لكن لم أستطع لذا أصبحت مُقيداً بالتقاط الصور ضمن شوارع المدينة.
يضيف الشاب العشريني الذي يعمل على مشروع لتوثيق العشوائيات “حاولت التقاط صور للعشوائيات على امتدادها وكانت النتيجة جيدة جداً خاصة عندما زرت مقام الأربعين المكان الذي يطل على قسم كبير من أحياء دمشق العشوائية، استطعت رؤيتها من منظور مُختلف وجديد تماماً ساعدني في مشروعي”
يختتم حسن بأنه منطقياً عندما تكون أمامك المساحات مفتوحة يختلف الشعور عن عندما تكون أمام مكان ضيق مُكتظ بالناس.
عندما تعيش المدينة وتعيشك المدينة
ديانا إبراهيم 20 عام سنة ثانية هندسة عمارة “أتيت إلى دمشق فقط من عشر أشهر هنا فقط أحسست أنني أمثل نفسي؛ أعطتني دمشق شعور الحيوية والحياة التي تمشي دون توقف لأجل أي شيء أو أي أحد أو سبب” تضيف الفتاة التي أتت من مُحافظة حماه لمُتابعة دراستها الجامعية “دمشق من الأعلى مألوفة حتى لو كانت المرة الأولى التي تراها ومريحة وتعطيني شعور أنني أرغب أن أمشي بشوارعها وأزقتها كلها دفعة واحدة بكل الأوقات والفصول، وعندما أكون في شوراعها تعطيني شعور الحرية الشخصية”
الأمر الذي يضيفه يوسف سنة ثانية علوم سياسية كونه شخص يعيش في بيت عالي “أكاد لا أصدق أن ينتهي اليوم لأعود إلى بيتي وأجلس على شرفة المطبخ؛ يطل بيتي على وجه آخر من الوجوه غير المنتشرة لدمشق في الصور المُتعارف عليه”.
عندما لا تحب الأعلى والأسفل في المدينة
عفيف م 30 عاماً أعيش في دمشق منذ ولادتي ولم أخرج منها أبداً منطقة المهاجرين بالنسبة لي أصبحت تُسبب لي الضغط حتى شكل الأبنية المتراصف جنباً إلى جنب يؤرقني أتمنى لو أن لي بيتاً يطلُ على الغابة أو البحر أعاني من الوصول إلى منزلي في أعلى الجبل يومياً؛ الرأي الذي يُشاركه فيه عمران طالب طب أسنان سنة ثانية ومن سكان حي المزة 86 “تُسبب لي الضغط هذه المدينة وهذا الحي بالتحديد شكل البيوت المُتكاثف يجعلني أشعر أنها تهجم نحوي تماماً”
من الصعوبة أن نجمع كل الآراء حول رؤية هذه المدينة بعيون أهلها وزوارها الأمر الذي يتغير من جيل لآخر ومن زمن لأخر؛ دمشق التي قبل أن آتي إليها كنت أعتقدُ أنها مشهد لمُلحق عالي يطل على كل المدينة يخرج منه صوت فيروز “وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان”.