قد يكونُ عنواناً غريباً بعض الشيء، إلا أنه واقعيٌ وصادمٌ ويطبَّق بكثرة في شتى المجتمعات العربية، ويشكل حالة
اغتراب مضاعف يعِشنها النسويات، كما يعيشها كل من يدعو إلى عدم التمييز بين الجنسين.
إذ يكون الاغتراب الأول هو ثورتهم على مجتمعٍ يفرض هذا التمييز، بينما يكون الاغتراب الثاني والأقسى هو الانصياعُ
الإلزامي لما يفرضه هذا المجتمع من قوانين وعادات، وكلامنا هنا يخص ميراث المرأة، وتحديداً بنت المتوفى، في حال
لم يكن لديها أخٌ ذكر.
تقول هيام (مدرِّسة، 30 عاماً): «أنا متزوجة ولديَّ طفلةٌ وحيدة، وقد قررنا أنا وزوجي أن ننجب مولوداً آخرَ وأخير، ولم
يكن لدينا أي مشكلة في جنس هذا المولود، قبل أن يتنبَّه زوجي لقضية مهمة جداً تخص الميراث، وتتعلق بقانون الأحوال
الشخصية (المستمد من الشريعة الإسلامية) الذي يقضي بوجوب وجودِ أخ ذكر لابنتي، حتى ينحصر إرث الأب أو الأم
في عائلتهم الصغيرة (الأم أو الأب مع الأولاد) ففي حال غياب هذا الأخ سيكون لأخوة الزوج أو أخوة الزوجة (حسب
المتوفي) نصيبٌ في الميراث.
بناءً على ذلك التقت آرائنا على أن يكون مولودنا القادم ذكراً، وبدأنا البحث عن طرقٍ أو تقنيات طبية تمكننا من تحديد
جنس المولود، ما أثار في نفسي موجةً من الاستياء، وأحسست بتناقض شديد، أنا التي خسرت ما خسرت ضمن وسطي
العائلي والاجتماعي حتى أحارب التمييز الذي يمارسه المجتمع ضد الأنثى، أرى نفسي اليوم أمارس هذا التمييز بكامل
إرادتي ووعيي، وأسعى لإنجاب ذكرٍ يحمي أخته في قادمات الأيام من طمعٍ مفترضٍ للأعمام أوالأخوال في هذا البيت
الصغير الذي نسكنه.
فما نسمعه اليوم من حوادث وقضايا تحصل في أروقة المحاكم مخيف جداً ومخزٍ، نرى كيف تتحلل رابطة الدم تماماً حين
تدخل النقود في صلب الموضوع، فلا العم يرحم حين يعرف أن له نصيب من ورثة أخيه، ولا الخال يشفق على بنات
أخته من مصيرٍ قد يهدد سلامتهم»
المحامي الأستاذ (مجد رمضان) يقول في هذا الشأن:
إن قانون الأحوال الشخصية بمجمله مستمد من الشريعة الإسلامية، فهي مصدره الوحيد، فيما عدا تلك الأمور التي لم يرد
فيها نص صريح، إذ تولت القوانين الوضعية هذه المهمة، ونظمتها بما يتوافق مع طبيعة المجتمع وثقافته، أما بقية الأمور
فمستندةٌ إلى القاعدة الفقهية القائلة (لا اجتهادَ في مَوْرِدِ النص) أي أن ما أتى به التشريع في القرآن والسنة النبوية واجتهاد
العلماء لا يمكن -عملياً- التدخل به أو المطالبة بتغييره، وأنا هنا لا أدافع عن النصوص الشرعية، ولا علاقة لرأيي
الشخصي بصوابيتها أو غير ذلك، بل أتحدث هنا كلاماً قانونياً ورد في الدستور، الذي يتماهى مع نبض المجتمع
وخصائصه.
ما أريد قوله إنه من غير المتصوَّر اليوم أن يصدر قانونٌ جديد ينظم عملية التوارث وفق أسس مدنيةٍ تختلف عن تلك التي
أتت بها الشريعة، أسسٌ قد تجعل ميراث الذكر كميراث الأنثى مثلاً..
هذا أمرٌ يرفضه المجتمع، (فالفكرة العامة السائدة تقول أنَّ مآل البنت إلى بيت زوجها، فيه تعيش ومنه ترث، وقد يكون
تملكها لعقار مثلاً محط أطماعٍ لدى المتقدمين لخطبتها) كما يرفضه رجال الدين، وتتوجه أصابع الاتهام حينها إلى المشرِّع
بأنه يخالف النصوص المقدِّسة، وهذا أمر كبير قياساً بطبيعة مجتمعنا.
هذا المجتمع ذاته الذي يخالف النصوص المقدسة من جهة أخرى، فنرى في حالتكم هذه (أي في حال وفاة الأب وليس لديه
ابن ذكر يعصّب اخته، أي يحصر الإرث فيهما) نرى أن نسبة كبيرة من الآباء في هذه الحالة يقومون ببيع عقاراتهم
لبناتهم مع الاحتفاظ لأنفسهم بحق الانتقاع مدى الحياة، على أن تعود ملكية العقار لمالك حق الرقبة (وهي الابنة) بعد
وفاتهم، ليحرموا بذلك أخوتهم (أعمام البنت) من حقهم الشرعي في ميراثهم، مخالفين بذلك الآية الكريمة: (يوصيكم الله في
أولادكم للذكر مثل حظ الأُنثيين، فإن كنَّ نساءاً فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف)، ومخالفين
الحديث النبوي (من حرم وارثاً من إرثه حرمه الله الجنة) ما يفيد بأن هذا التصرُّف يعتبر مخالفةً صريحة لما أتى على
ذِكره أصلُ النصِّ التشريعي»
"محكومون" هذا هو حال المناصرين للمرأة والمطالبين لها بالمساواة، فمشكلتهم الحقيقية ليست مع النص التشريعي فقط،
بل مع أصلٍ مقدسٍ لهذا النص، ومع مجتمع يرتبط ضميره ارتباطاً وثيقاً مع عواطفه الدينية..