لطالما استهوتني فكرة الرسائل الورقية، وعندما قرأت رواية “ساعي بريد بابلو نيرودا” لأنطونيو سكارميتا، أعجبت بماريو خيمينث الصياد الشاب الذي قرر ترك مهنته ليصبح ساعي بريد، حيث كان يوصل البريد إلى نيرودا في منفاه على دراجته الهوائية، وتخيلت كم هو من الحميمي أن يطرق شخص ما باب البيت لتسليم البريد، أو يضعه في صندوق صغير محمول على قائمة خشبية في مقدمة المنزل.
تكاد هذه الوسيلة أن تختفي مع اجتياح التكنولوجيا لعالمنا، إلا أنها قد ما زالت موجودة بأشكال بسيطة في الأماكن التي نجت من هول العولمة بشكل أو آخر.
في حمص، قد لا يرتاد ساعي البريد “البسكليت” لإيصال الرسائل لأصحابها، وإنما قد يركب السرفيس للذهاب إلى وجهته، أو إلى القدموس ربما لشحن الرسالة إلى ساعِ آخر في مدينة أخرى. مشروع مِرسال في حمص، لمؤسسها الشاب محمد عيسى، خدمة مكتبية معنية بكتابة الرسائل الورقية لأشخاصنا المفضلين وإيصالها لهم أينما وجدوا في سوريا، وشعارها “لنرجع الزمن الجميل”.
يقول محمد -21 عامًا- في حديثه لشباك سوري: “مرسال محاولة لإحياء جوهر الرسائل، في وقت فقدت فيه الرسائل معناها الحقيقي” ويضيف: “جاء الإقبال على مرسال بسبب شعور الناس بالحنين، للزمن الذي كانت فيه المشاعر أكثر حقيقية، وولد هذا الحنين ردة فعل جميلة على هذا المشروع”.
تتنوع الرسائل ما بين رسائل العشاق، أو بين أصدقاء، أو أناس تريد الاعتذار من أناس وإعادة طيب العلاقة بينهم، ولكل هذه الحالات ذكرى طيبة ومؤثرة على مرسال كما يصف محمد، إذ يقوم بتدوين جميع الحالات المميزة على صفحته الشخصية دون ذكر أسماء.
لدى مرسال مندوبون للتوصيل في كافة المحافظات، وهذا ما جعل الناس تحبه، أن الرسالة تصل إلى باب البيت، وفقاً لمحمد، ويقول: “نتواصل مع مندوبنا ونرتب لكل شيء بحيث أن يكون الموقف مؤثر، إذ أن الشيء الملموس أكثر تأثيرا على الإنسان برأيي”.
بسؤال الشباب عن رأيهم حول ذلك تقول ولاء-28 عاماً- مترجمة ومدونة: “أحب رائحة وملمس الورق، والرسالة الورقية أكثر ديمومة، باستطاعتك حفظها في دفتر أو تحت الوسادة، ويستمر وجودها سنوات عديدة، فالحبر لا يأكله الزمن، على عكس التكنولوجيا التي يمكن أن يختفي كل شيء بكبسة زر”. تضيف ولاء: “يعنيني هذا الموضوع لدرجة أنني أحتفظ بالكثير من ظروف الرسائل الورقية، وأحاول دوماً أن أكتب للأشخاص الذين أحبهم، إذ برأيي أن الرسائل الورقية لا تقبل المحاكمة، تستطيع من خلالها تفريغ شعورك كاملا دون خجل، تستطيع أن تكون ما أنت عليه، وهي رمز للحب غير المشروط”.
برأي ولاء أن مشاعرنا الآن هي مشاعر الكترونية ولحظية، على عكس المشاعر التي يُعبر عنها بالرسائل، للأشخاص الذين يعنون لنا الأكثر، فهي مشاعر شبه أبدية.
هناك رأي مخالف لعلي-24 عاماً- كاتب وقاصّ، إذ يشرح من خلال حديثه لشباك سوري: “لو حدث الأمر معي، لفرحت. ولكن يبدو لي أن فرحي لن يستمر طويلًا. ربما قد يزعجني أن أُغصَب في قبول رسالة لا أريدها، أو أن تصلني في وقت لست جاهزًا فيه لاستقبال أي شيء. الأمر يتضح أنّني، أو أننا، وفي أحيان كثيرة؛ نرغب في الانزواء دون مد جسر مع أي أحد”. ويضيف الشاب العشريني: “أستطيع قطع الاتصال الآن عن جوالي، ولأسابيع، دون استقبال أي رسالة. ولكن لو كان ساعي البريد موجودًا حتى اليوم، فلا أتخيل أنه سيتوقف، خلال عشر دقائق، عن طرق الباب. وهذا مزعج حين يكون حالة رتيبة ومستمرة، وفكرة أنني، عندما افتح بابي، سأواجه منذ اللحظة الأولى؛ رسالة ما”.
أما بالنسبة لعمرو-22 عاماً- طالب في كلية الصيدلة، فالرسائل الورقية شيء حميمي جدًا، قيّم جدًا، واستثنائي. ويقول: “تتطلب الرسالة الورقية مجهوداً من حيث الكتابة وطريقة الارسال، وبالتالي هي ثمينة لأنها من صنع الشخص نفسه، وأستخدم هذا الفن عندما أريد التعبير عن مشاعري بمناسبة ما لحبيب أو صديق”.
يكمل عمرو حديثه قائلاً: “سبق ووصلتني رسائل ورقية، وكانت لحظة فتح الرسالة وقراءتها لا تُنسى، أحسست أني ألمس كلام المرسل. أحب الرسائل الورقية وأشجع على هذه الفكرة، فالأشياء السهلة غير مغرية، بينما الاستثنائية هي التي تتطلب مجهوداً”.
كانت الغاية من مرسال هي إيصال الحب في زمن الحرب بشكله الورقي، فهل توافق الرأي بأن توظيف وسائل الماضي الحميمية تساهم في إعادة العلاقات الإنسانية إلى رونقها؟