من الصعب أن يكتب أحدٌ مقالاً عن الكرد السوريين، دون أن يمس القضايا التي تثير الحساسيات وتسبب المتاعب. أقصد هنا مسألة الهوية والدولة المفقودة والمجازر والهجرات واللغة والكثير غيرها. في نفس الوقت عندما تتجنب الاقتراب من أي من هذه الأمور التي تثير الحساسيات، تحصل على مقال “مسحوب الدسم” أكثر من اللازم، وهذا بحد ذاته مثير للحساسية، حساسيتي أنا على الأقل.
لهذا السبب قررت أن أتبع إحساسي، وأن أكتب هذا المقال وأنا أفكر بجارتنا، التي أرسلت إلى ابنها في ألمانيا مجموعة أحجارٍ من مقام “النبي هوري” ملفوفة بمحارم ملونة، كتمائم كي تحفظه من الشرور، وبرائحة الطعام المطبوخ بزيت الزيتون، التي تتصاعد من مطبخها، بالمسافة اللطيفة بين أسنان خالة “مَهوش” عندما تبتسم، بأشجار الكرز المزهرة، وينابيع المياه في الباسوطة وميدانكي وكفرجنة، بشريفة ومياسة وشيرين وراما وليلاف وسلافا وشيار وعمر أصدقائي الذين أحبهم.
أصدقاء الجبال:
الكرد السوريون شعب يسكن المناطق الجبلية الممتدة على الحدود بين سوريا وتركيا والعراق. يتكلمون اللغة الكردية، بعضهم موجود في سوريا منذ العصر الأيوبي قبل ما يقرب من ثمانية قرون، والبعض الآخر جاء من تركيا في فترات مختلفة خلال القرن الماضي إثر أحداث سياسية (من كتاب حي الأكراد في مدينة دمشق لعز الدين علي ملا).
يمثل الأكراد ما بين سبعة إلى عشرة في المئة من تعداد السكان في سوريا، ويعيش معظمهم في محافظتي الحسكة وحلب إلى جانب العاصمة دمشق. يعد الكرد أكبر الأقليات العرقية عدداً في سوريا.
الشام مدينة تستطيع امتصاصك:
عندما سألت كوليزار (ممثلة/ 26 عاماً) أن تحكي لي عن هويتها ككردية سورية قالت: “في الحقيقة ليس لدي الكثير لأقوله. فأنا لا أتحدث اللغة الكردية. وكذلك أغلب أفراد عائلتي. نحن هنا منذ زمن طويل جداً؛ نعيش في حي ركن الدين، كحال الكثير من الكرد الدمشقيين. إننا دمشقيون بعاداتنا وشكل حياتنا. لم أدرك أنني كردية حتى صرت في المرحلة الإعدادية. قضيت طفولتي في مدرسة معظم من فيها من الكرد إن لم أقل كلهم، فلم أشعر يوماً بوطأة هذا الاختلاف. أعتقد أن لهذه المدينة القدرة على أن تمتص كل مكوناتها. في دمشق ولدت وعشت وتعلمت وأحببت وتزوجت. من هذه المدينة سافرت، وعندما فكرت في العودة إلى الوطن، إلى هذه المدينة عدت”
وسام ملون أم حمل ثقيل؟
يقول أحمد وهو طالب جامعي (22 عاماً) يعيش في مدينة حلب: “بالنسبة لي، الوطن هو سوريا وحلب وعفرين والقرية الصغيرة التي أنتمي إليها والتي يصل عدد البيوت فيها إلى خمسة بيوت صغيرة. أعيش مع عائلتي في حلب منذ زمن طويل. نتكلم اللغتين الكردية والعربية. أشعر بأنني جزء من هذا المجتمع وأرغب في أن يكون لي تأثير فعال فيه، لهذا السبب تطوعت للعمل مع العديد من المبادرات والجهات العاملة في المجال الإنساني. الجنسية السورية وسام ملون على صدري، إحدى ألوانه هي الثقافة الكردية التي أحملها”
أما شاهيناز (طالبة جامعية/ 21 عاماً) فكان لها رأي آخر: “ولدت لأب كردي وأم حلبية. وهذا ليس أمراً سهلاً. طفولتي كانت صعبةً بعض الشيء. أذكر أنني كنت أتعرض لبعض التمييز من قبل زملائي في الصف لأنني لا أجيد نطق اللغة العربية بشكل صحيح. وهذا الأمر جعلني انعزالية لا أرغب في الاختلاط بأحد. عندما قررت أن أغير من طبيعتي الانعزالية وأنخرط أكثر في المجتمع التحقت بفرقة مسرحية للهواة وأصبحت واحدةً من أعضاءها. كانت هذه من أجمل فترات حياتي. لطالما شعرت برغبة كبيرة في أن أخبر العالم أن الكرد شعب طيب وبسيط ومرتبط بالأرض والطبيعة، يحب الموسيقا والفرح والألوان الزاهية”
“أقلية” مصطلح يحتاج إلى إعادة تفكير:
توقف جوان (موظف/ 30 عاماً) طويلاً عند كلمة “أقلية” وقرر أننا يجب أن نتفق أنها كلمة ملغومة قبل أن يجيب عن أي سؤال. يقول جوان: ” لست موافقاً على استخدام كلمة “أقلية”. أعتقد أن في هذه التسمية ما هو منافٍ لمفهوم المواطنة، الذي يشكل حجر الزاوية في بناء الدول الحديثة. أعتقد أن ما يحتاجه السوري اليوم، بكافة انتماءاته العرقية والطائفية هو تعزيز مفهوم المواطنة في أفكاره وسلوكياته. المواطنة تعني الانتماء إلى سوريا بوصفها وطناً يعيش فيه الجميع تحت ظل قانون يضمن لهم التساوي في الحقوق والواجبات”