يأخذنا الشارع السوري في «رحلة استكشاف سريعة» تتيح التعرف على أبرز الشلل الشبابية المنتشرة ضمن أزقته، ويكون فيها الشباب أنفسهم «الأدلاء السياحيين» الذين يشرحون ميزات كل فئة.
فمن المنتمين إلى حزب سياسي معين، مروراً بالمدافعين عن الزواج المدني، وصولاً إلى المؤمنين بالعلم واللا أدرية، تعداد «الجماعات الصغيرة» لا يكاد ينتهي. بحيث يبدو أنه وتحت مظلة المجتمع الكبير هناك مجتمعات صغيرة متفرقة يعيش الأفراد ضمنها متناغمين، ويتجنبون قدر الإمكان الوسط الخارجي والآخرين المختلفين.
لا يمكن القول إن «الشللية» ظاهرة جديدة بين الشباب السوري، إلا أن تسليط الضوء عليها خلال الحرب يعكس بعض ملامح التبدلات السياسية والاقتصادية والثقافية. ويكشف منافذ هرب الشبّان الذين يبحثون عن الانتماء والتغلب على مشاعر الاغتراب.
علي (20 عاماً) طالب هندسة مدنية، يعرفنا على شروط العضوية لشلل «باب شرقي» والتي تتضمن بنظره ارتداء ثياب غريبة، وترك الشبان شعرهم ولحاهم دون تشذيب. يُحبّ هؤلاء فرقة «مشروع ليلى»، وغالباً ما يعملون كمتطوعين في منظمات المجتمع المدني. وهناك على النقيض مجموعة أخرى، غالباً ما تنتمي إلى طبقة اقتصادية أعلى، يحرص أفرادها، كما يقول علي، على زيارة صالونات الحلاقة بانتظام استعداداً للتعرف على فتيات جميلات في شوارع العاصمة المترفة. يفضل هؤلاء الملابس الأنيقة من أفضل العلامات التجارية.
يلخص علي سلبيات الانتماء إلى الشلل بحالة القطيعة مع الوسط المحيط، ويضيف: «بالرغم من أنني أعتبر نفسي شخصاً اجتماعياً، إلا أنني أحياناً كنت أمضي كل وقتي برفقة ذات الأشخاص، بحيث يمسي لزاماً علينا القيام دوماً بأنشطتنا بصورة مشتركة».
يختم علي بالقول إن الفروقات الاقتصادية أحياناً ما تشكل عائقاً يمنع المرء من الاندماج في جماعات جديدة، فأحياناً كان يصعب عليه هو ورفاقه مواكبة الأنشطة التي يقترحها أصدقاء جدد لأنهم لا يتحملون تكاليفها.
من جانبها تقول شام الطالبة في قسم الأدب الإنكليزي، إن هناك: «من يعيش حياتين اثنتين؛ يكتفي في الأولى بالإيماء برأسه لأفكارٍ يرفضها في العمق دون أن ينبس بكلمة. ويكون في الثانية ضمن رفاقه وعلى طبيعته».
تبرر شام احتياج الشباب لهذا النوع من الانتماء بالرغبة في «كسر القواعد» وحرية نقاش قضايا العذرية والإلحاد والمثلية الجنسية. ترى شام أن هذا النوع من الجماعات زاد بعد الحرب. وتذكر أنها قرأت أن «تحدي العادات السائدة والجرأة للقيام بالتغيير شائع ضمن فترات الحروب بالنظر إلى حالة الفوضى والاضطراب».
أما نوّار -وهو طالبٌ في كلية الإعلام، ومتطوع في مشاريع شبابية مهتمة بالتنمية المجتمعية- فيرى أن الانتماء إلى شلة يكون سلبياً حينما يلحق الشخص «التيار الرائج» كي يحقق نوعاً من المكاسب أو الشعبية. فبعض الشبان يلحظون بأن هناك من نجح في مجالٍ ما ويحذون حذوه باعتبار أن ذلك الطريق الوحيد للنجاح.
يضيف نوّار أن: «الحرب توقظ في نفس الشباب “المشكلات النفسية” بحيث تزداد حاجتهم للشعور بالتميّز والرضى» وهذا ما يفسر بنظره الحاجة للانتماء إلى جماعة. يرى نوّار أيضاً أنه لا يمكن التعميم والقول بأن هامش الحرية أكبر ضمن الشلل، فالأمر بنظره متوقف على درجة التوافق بين الفرد والجماعة، إضافة لطبيعة العلاقة التي تجمعه بذويه. فهناك قضايا يمكن أن يعبّر الابن عنها ضمن نطاق الأسرة بحرية أكبر إن كانت العائلة متفهمة.
لكن ديمة المتخرجة حديثاً من قسم اللغة العربية، تختلف مع وجهة النظر هذه، وترى أن «الإنسان لا يمكن أن يختار أهله، لكن يمكن أن يختار رفاقه، لذلك ربما يختلف الأبناء مع آبائهم فيجدون ملجأهم هذا النوع من الجماعات البشرية». وترى ديمة أن من إيجابيات الانتماء إلى الجماعات الصغيرة تعليم الفرد فن الحوار والتكيّف مع وجهات النظر المختلفة. لكن سلبياتها تتعلق بكيفية انتقاء جماعات قد يكون ضمنها «شخص مدمن أو سيء ينشر أفكاره بين الآخرين».
في الختام يمكن القول إن فكرة الشللية قائمة بصورة كبيرة على «التصورّات المسبقة» التي يملكها المرء عن الآخرين، أو عما يعتبره شرطاً ضرورياً كي يتم قبوله ضمن جماعته الصغيرة. في الوقت الذي قد تلعب فيه الشلل دوراً إيجابياً في تكوين هوية متعددة وغنية للفرد، قد تتحول على النقيض من ذلك إلى جزرٍ منعزلة قائمة على رفض الآخر المختلف، والتعصّب لأفكار وقوانين الشلة.