لمسات فنية شبابية تدعو إلى السلام في شوارع دمشق. شباك سوري
article comment count is: 0

“لو مافي حرب”

“لو مافي حرب، وين بتكوني؟”

تتنهد ضحى (25 عاماً)، عند سماعها لهذه الجملة، وكأن ذلك هو غير الطبيعي بالنسبة إلينا كسوريين، لتجيب: “من الصعب افتراض ذلك، لا يمكنني اعبتاره واقعاً، ولكن لنتكلم عما كنت أطمح إليه عندما دخلت كلية الإعلام قبل سبع سنوات، وهو عمر الحرب للأسف أيضاً، كنت أتمنى أن أكمل دراستي خارج سوريا، وأعود إليها، لتبقى بلدي محطة رئيسية، بينما التنقل بين بلدان أخرى أوروبية؛ هو للعمل فقط، عندها سيكون الحصول على الفيزا أسهل لتصوير الأفلام التي أريدها، ولن يُنظر إلي بداعي الشفقة على أني سوريّة ابنة حرب، عانت آثارها”.

الحرب لنا، كسوريين، باتت هي الذاكرة الحاضرة لنا، قال صديق لي مرة: “لا يمكنني تذكر سوريا دون دخان أو سماع دوي قذيفة هاون، هذه الأخيرة باتت جزءً لا يتجزأ من واقعنا، هي كالوقوف اليومي في الطابور لشراء الخُبز، أو الماراثون الذي نخوضه للحصول على مقعد في وسيلة النقل العامة!.”

رغد ( 29 عاماً)، تعتقد أنه من غير المجدي التفكير بذلك، بـ “لو مافي حرب”، تتابع: “توقف عندي الشعور بأي شيء، لذلك لا أعرف معنى ألّا يكون هناك حرب، نسيت ذلك، ولكن أتخيل أن النجاح سيغدو أكبر، أما اليوم؛ كل شيء فقد رونقه، أذهب إلى عملي في المشفى، أعود إلى المنزل، أجتمع بالأصدقاء، لكن بلا شعور، وعلى قولة زياد الرحباني: وقفنا الشعور”.

الحرب بالنسبة لـ همام (25 عاماً) دفعته ليكمل اختصاص دراسته، هندسة معمارية، رفض أن يتعلم مهنة، ويقف عند هذا الحد، يضيف: “لو مافي حرب، حينها سأكون شخصاً عادياً، توقف عن الدراسة، بلا حلم أو أمل”.

ريم ابنة الـ (26 عاماً) تشارك همام بما قدمته الحرب من ضرورة التميز في مجال عملنا، تقول: “لولا الحرب، كنت سأعمل كصحفية في مجلة محلية تتكلم عن كيف أثر الجفاف في المناطق الشرقية على موسم القمح مثلا!، اليوم بتنا نفكر كيف نؤثر ونرفع من قيم مجتمعنا، باتت أفق نظرتنا أوسع وأعمق لمحيطنا، الأزمة جعلتني أنضج ومسؤولة أكثر، وعززت من الشعور الوطني لدي، الذي لم يحظ باهتمامي قبل سبع سنوات”.

هذا الجانب المشرق من ظلام الحرب، اختفى تماماً عند هادي (21 عاماً)، ليتكلم وهو يلمع الكؤوس في أحد مطاعم دمشق، دون النظر إلي: “لولا الحرب، كنت الآن مع عائلتي، ولم نفترق ويهاجروا دوني بسبب رفضي لذلك للاستمرار بدراسة اختصاصي في كلية الحقوق، لولا الحرب، لكنت بجانب أمي، بدلاً من الشعور بالوحدة، الحرب جعلت ما بداخلي هرِماً”.

انتهى هادي من حديثه دون النظر إلي، استدرت وانسحبت من الحديث، احتراماً لرغبته بعدم رؤية دموعه.

حسن (29 عاماً)، ضحك عند سماعه لسؤالي، معلقاً: “لن يختلف الوضع، بحرب أو دونها، سبب دمارنا ليست الأزمة، أكيد الحرب سبب قوي لذلك، ولكن الفرص والعدالة والمساواة كانت معدومة، والاختلافان الوحيدان اليوم هي تفاقم تلك المعدومية، وللأسف، الوجع الأكبر، مئات الآلاف ممن فقدناهم”.

لكل منا وجهة نظره الشخصية التي تعبر عن ذاته، تبعا لما مر به من ظروف، تراكمت بداخله، اليوم وكشباب سوريين، بالرغم من وجعنا، ننتظر ذلك اليوم الذي سُتقال من خلاله، عبر الشاشات والمذياع وصفحات التواصل الاجتماعي، كلمتان فقط: “انتهت الحرب”، حتى نبدأ بالعيش بدون كلمة “لولا” وإنما بـ “مافي حرب”، ربما لن يكون هناك احتفالات بانتهاء الحرب كما يرغب السوريون، وإنما سيكتفون بمتابعة حياتهم ورسم ما وضعته الحرب حين كانت، ويدركون بأنها رغم ما فعلت، صقلت ما لديهم من قدرة كبيرة على التحمل، على أمل ألا نقول يومها: “والله بالحرب كانت حالتنا أفضل”!.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً