خلال استراحة العمل، جلست سارة (29 عاماً) برفقة زميلاتها كي تحدثهن عن آخر المستجدات مع شاب كانت تتعرف عليه مؤخراً. أثناء الحديث عبّرت الفتاة عن قلقها من عدم تفهم الشاب لبعض التجارب المعقدة التي مرت بها سابقاً، فما كان من صديقاتها إلا إخبارها بأنها مجنونة تماماً لتفكيرها بقول الحقيقة: “ألا تعلمين؟! نحن لا نتحدث عن ماضينا” قالت إحداهن، فيما أضافت الأخرى: “يجب أن تتظاهري بأنك عديمة الخبرة، أي شيء يقوله لك تتظاهرين بأنك تسمعينه للمرة الأولى، لا بد أن تتصنعي الغباء”.
يمكن أن نطلق على تلك ربما «استراتيجية الورقة البيضاء» التي تعني بأن المجتمع يفضل أن تكون الفتاة عديمة الخبرة في أمور الحب والحياة عموماً، يكفي أن تكون نقية وجميلة.
«وصايا النساء للنساء» عبارة عن مجموعة من النصائح والتعليمات التي تنقلها الجدات والأمهات لبناتهن، أو الصديقات لإحدى صديقاتهن التي تبدو، من وجهة نظرهن، كما لو أنها تتصرف بأسلوبٍ أخرق يهددها بفقدان حبيب محتمل، أو عدم الحصول على واحد في المقام الأول.
تبدو تلك التعليمات رائجة جداً بين الفتيات بحيث تتحول إلى ما يشبه الأعراف لما يجب أن يكون عليه سلوك الفتيات ضمن العلاقات العاطفية. واللافت في الموضوع أن جميع تلك القوانين تقوم على مبدأ لعب الأدوار، والتصنّع وإخفاء الحقيقة.
تخبرنا راما (25 عاماً) بأنها فضّلت مثلاً عدم الخروج للسهر والاحتفال مع أصدقائها ليلة رأس السنة لأن خطيبها كان مسافراً، وقالت مبررة سلوكها: “إن أمضيت وقتاً ممتعاً، لن يشعر هو بالذنب لأنه تركني وحيدة، ولذلك أفضّل الجلوس في البيت كي لا يكون خروجي مع أصدقائي ذريعة بالنسبة له لإمضاء وقتٍ ممتع من دوني”. تلك كما يبدو استراتيجية أخرى تُفضلها النساء، تنص على تصنّع البؤس كي يبقى الطرف الآخر مهتماً ومشغولاً بهن، بدلاً من أن يشعر –لا قدّر الله- بإنهن قادرات على العناية بأنفسهن وتمضية وقت ممتع بمفردهن.
هناك أيضاً ما يشبه الاتفاق على أن الفتيات لا يجب أن يكن مبادرات في التعبير عن إعجابهن، ويجب أن يتصنعن عدم الاكتراث بالطرف الآخر وتركه منتظراً أي ابتسامة أو رسالة أو تفاعل في الحياة الواقعية أو على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن وكما تقول لنا عليا (30 عاماً) يبدو أن تلك استراتيجية مشتركة عند الطرفين، فالشباب أيضاً يستخدمون تعبيرات متل “خليها تستوي” التي تعني التظاهر بالإهمال وعدم الاكتراث حتى تفقد الفتاة قدرتها على الاحتمال وتندفع مغرقةً الشاب بعاطفتها واهتمامها.
لكن يبدو أن استراتيجية تصنّع عدم الاكتراث لا تعجب الجميع. فزينة (26 عاماً) تقول بأن الكثير من صديقاتها حذرنها من ضرورة عدم التعبير صراحة عما تحب أو تكره أو تنتظر من شريكها. تقول الشابة: ” لا أفهم لماذا على الفتاة أن تكون لغزاً طوال الوقت بحيث تنزعج من أمرٍ ما وتترك للطرف الآخر مهمة التكهن بالسبب” وتضيف مبررة: “أحياناً لا يستطيع الجميع معرفة الأمور التي قد تزعجك أو تجعك سعيدة، ولا أرى سبباً يمنع من الإفصاح عنها”. لكن وكما يبدو لا تشارك كثيرات زينة تلك القناعة ويفضلن لعب دور «صندوق أسود» غامض ومغلق.
لا يبدو مفهوماً كيف تكون تلك الحيل تساوي كلمة حب، كما لو أن كل هذا الجهد في التورية والاصطناع قد يشكل حقاً أساساً لعلاقة ناجحة. لكن وكما يبدو، هناك عرفٌ عام بأن الحب قائم على «التوريط»، كأن يخترع الشبان والفتيات صورة مغايرة عن حقيقتهما كي يورّطا الآخر بقبولها، ولاحقاً حينما تصبح العلاقة واقعاً يكون الآوان قد فات للتراجع. وهنا ربما مكمن الخطورة؛ فالعلاقات العاطفية تتخلى شيئاً فشيئاً عن شعار «حتى يفرقنا الموت» لأن ضغوط الحياة الاجتماعية والاقتصادية تعزز الميل للانسحاب والتخلي عن العلاقات، الذي يأخذ شكل الانفصال أو الطلاق، بحيث لا يبدو بأن هناك ما يكفي من الحيل التي قد تنقذ الحب إن كان هشّاً. لا يمكن الإدعاء بأن هناك اليوم من يعرف «سر علاقات ناجحة» تدوم وتدوم. ولهذا ربما هناك فرصة للنساء تحديداً كي يُعِدن تعريف الحب من وجهة نظرهن بعيداً عما تلقنّه، ويجربن من باب التغيير أن يكن أنفسهن. من يعلم، ربما تكون تلك «حيلة» ناجحة أيضاً، لأنها ليست حيلة على الإطلاق.