“الحقيقة إن الحياة ضحكت علينا” يدندن كرم شروف من مواليد عام 1989 أغنيته المُفضلة ويقول ” تخرجنا بعام 2011 كنا 14 شب، 12 منن ماتوا وواحد سافر وأنا الناجي الوحيد بهالمكان”.
لم يتبق الكثير من الذكريات لدى مواليد جيل الثمانينات رغم أنّهم عاصروا البلاد بفترة بدء النشاط الثقافي والفني من مهرجانات السينما والمسرح العالمي خلال 2008، يتذكر كرم أنّه حضرَ عروضاً مسرحية من فرنسا والجزائر على مسرح القباني في دمشق، وحضر مارسيل خليفة في اللاذقية برفقة أصدقائه المتوفين، واليوم آخر مايذكره هو وجوه أصدقائه الغائبين.
“لم أعد أخشى الموت” يقول كرم.
“بيقولو جيل التمانينات هوي جيل العظماء، عالقليلة نحنا لحقنا نشوف البلد بصورة حلوة. بس 7 من رفقاتي ماتوا و16 واحد سافر برات البلد ماضل ولاصورة حلوة” يارا مخلوف (30 عاماً) تفتح ملفات الصور في جهازها الخلوي وتروي قصة كل صورة، وتقضي الكثير من الوقت بمُكالمات الفيديو معهم.
“صار عندي تعلق بموبايلي، هوي الشي الوحيد اللي بيعوضني و بيقربلي صوت وصورة رفقاتي اللي سافروا أمّا اللي ماتوا مافي شي بيعوضن” تضيف يارا.
“أنا خسرت كتير بالحرب بس لولاها ماكنت تزوجت” تحكي نانيت من مواليد عام 1988 عن علاقتها بزوجها، وكيف تعرفت عليه، وتضيف: “يمكن كان مُستحيل نلتقي لولا الأزمة، هوي انتقل عالشام بسببها” .
جزءٌ كبير من أصدقاء الشابة الثلاثينية اضطروا للسفر إلى ألمانيا وهولندا، وسرقت الحرب أرواح الجزء الذي بقي، تضع نانيت صورهم على مكتبها، ومؤخراً نجحت بإقناع صديقتها بالعودة من النرويج إلى سوريا بعد محاولاتها المُتكررة وحديثها الدائم عن أحلام مُمكنة التحقق هنا، فيما صديقها فادي سيعود حالما تُصبح ظروفهُ المادية أفضل.
أما يارا تقول: “الحرب أخدت اللي بحبن حرمتني شوف كتير ناس من عيلتي.. عمي وولاد عمي ماتوا كلن بنفس اليوم، أنا لا ألتقي بزوجي إلا مرة واحدة في الشهر بسبب خدمته العسكرية، أخشى أن يُصبح هذا الوضع دائماً، أخشى أن اعتاد عليه.”
فيما ترفض روز الدوه جي (32 عاماً) التحدث بقول: “شو بدك أسوأ من أنو مافيي شوف أخواتي لبعد خمس أو عشر سنين بسبب الحرب مابدي أحكي”.
ديالا (31 عاماً) صنعت منها السنوات الأخيرة شخصاً آخر تماماً، فـ”بمُجرد أن تنطق كلمة “الحرب” هذا يعني أننا سنفقد الكثير من الناس والأحبة، سنفقد الأمان والرغبة في السعي نحو ما نريد”.
تقول الشابة الثلاثينية بضحكة لا تُفارق وجهها: “الحرب شي كتير بشع” بالنسبة لها سلبت منها الأمان الحلم والطموح، لايوجد لديها بيت اليوم ولكي تستأجر منزلاً جيداً يجب أن يكون دخلك عالٍ أو أن تعمل أكثر من عمل.
في نفس الوقت علّمت الحربُ ديالا الوقوف على قدميها، والاستمرار من أجل أحلامها وأحلام من رحلوا .
“أنا أبدأ اليوم من جديد“
ديما مواليد الشهر الأول من عام 1986 تقول: “تغيرت حياتي على كل الأصعدة، بالمجال المهني كان عندي أحلام كبيرة لتطوير وتوسيع عملي، هي الأحلام صارت بعيدة كتير لقلة الإمكانيات وارتفاع الأسعار الجنوني”
عاشت الأم، التي حرمت من أن تكون أماً لمدة ست سنوات ونصف، الخوف وانعدام الأمان وهواجس فقدان الأحبة، وتوقفت حياتها عن التطور، وها هي اليوم تبدأ حياتها برفقة زوجها بعد أن انتهى من خدمته العسكرية وتقول مُتأثرة: “أنا وزوجي وابنتي بدأنا من جديد وسنكون أقوى من أجلها ومن أجل حياتنا التي كنا نرسمها قبل الحرب”.
كثيرٌ من الشبان السوريين تخلوا عن أحلامهم بسبب قسوة الحرب والإحباط والفقدان المتكرر، لكن لايمكننا أن نتجاهل شريحة منهم تعمل في هذا الوقت، بكل صلابتها ورغم ندوبها، لكي تبقى على قيد أحلامها بأبسط الأدوات. كثيرٌ منهم اليوم، رغم الضغوط النفسية ومتطلبات الحياة الصعبة وانعكاسات الحرب النفسية والمادية؛ هم أشخاص آخرون غيرتهم الحرب.