«تحديد الكل + حذف»، هذا ما فعله الشاب يزن كلش (26 سنة) مع عشرات رسائل المعايدات الجاهزة التي أصابت هاتفه المحمول بـ«التخمة»، وفاضت الألوان المزركشة من ذاكرة الجهاز خلال شهر رمضان وعيد الفطر، فاضطرّ لحذفها دون أن يردّ على أحد منها، باستثناء معايدة واحدة، جاءته من صديق تذكّره بالاسم، فردّ عليه بالاسم أيضاً مع كثير الامتنان.
يستنكرُ يزن “المعايدات الإلكترونية الجاهزة”، ويصفها بـ”الواجب الذي لا بدّ منه” ويقول: “اشتاقُ لذلك الزمان، عندما كنّا نستيقظُ صباحاً لنتوجه إلى بيت جدي، ونتلقى هناك المعايدات من الأهل، وألتقي مع أبناء خالاتي وعماتي، أما اليوم، افتقدت المعايدة لمضمونها مع خلوها من أية خصوصية، واقتصارها على حروف مرسلة لكل الأسماء الموجودة لدى الشخص المرسل”.
يعملُ يزن في الصحافة والإعلام، و يلتقي بحكم عمله دورياً مع عشرات الأشخاص، ورغم ذلك، قلة منهم فقط من يتواصل معه بشكل شخصي ليهنّئه بالعيد، ويقول الشاب العشريني: “المعايدة ليست المناسبة الوحيدة التي نعيشها افتراضياً، فلدينا أيضاً (جمعة مباركة) و(صباح الخير) مع فنجان القهوة، و(كل عام وأنتم بخير) كلها أمنيات تحولت إلى صور تُرسل بدون إدراك أو محتوى حقيقي، تخّيل مثلاً أن تخرج من منزلك صباحاً، ليُفاجئك جارك بكلمة (أشرقت الأنوار يا جار) ما أجملها من كلمة صادقة، وما أقبحها من صورة تصلني صباحاً إلى هاتفي عبر واتساب”.
«مجانية وغير محدودة»
بالمقابل، لدى همام الشيخ علي رأيٌ آخر، إذ يعتبر «المعايدات الالكترونية» رغم انتقادها بأنها «تطور منطقي لشكل المعايدة، ومواكبة لعصر التكنلوجيا»، يشرُح همام، وهو شاب ثلاثيني يستهوي متابعة آخر أخبار التكنلوجيا ومطالعة الأخبار باللغة الإنكليزية، «قديماً كانت المعايدات شفوية، وبعدها صارت الناس تُرسل رسائلها عبر البريد، ثم بات الهاتف بديلاً عن رسائل الورق، واليوم حان وقت التكنولوجيا لكي تأخذ مكانها».
يفضلُ همام إرسال بطاقات معايداته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويعتبرها وسيلة تختصرُ الوقت والمسافات ويقول: “تملكُ هذه المواقع كل خصائص التفاعل، من إرسال الصوت والصورة والرسومات الضاحكة التي تعبّر عن المشاعر، والأهم من ذلك أنها غير محدودة وإيجابية، هو تطور منطقي للحياة وعلينا تقبله”.
يرفضُ همام مقارنة أدوات الزمن الحالي مع أدوات ووسائل الأجيال الماضية، ويقول ختاماً: “أنا مع تبنّي هذا الزمن وأدواته، لا أستطيع بكل تأكيد أن أرسل رسالة إلى أختي التي تعيش في ألمانيا عبر البريد، وبكل تأكيد أردّ على كلّ الرسائل التي تصلني”
«لمسة شخصية»
وبين همام ويزن، يملكُ عمر رأياً وسطياً، إذ لا يعتبرُ أن المشكلة في وسيلة المعايدة، بقدر ما تحمله هذه المعايدة من أمنيات حقيقية نابعة من القلب لا لمجرد “رفع العتب”، ويقول الشاب الذي يعمل في التسويق والتواصل: “ليست مشكلتي مع المعايدات الإلكترونية، خاصة مع صعوبة التواصل وبعد المسافات هذه الأيام، المشكلة مع الرسائل المعدة سلفا التي تفتقدُ اللمسة الشخصية، أو تلك المعاد توجيهها، تصلني الكثير من المعايدات مُذيّلة باسم المهندس فلان أو المحامية فلانة، فأشعر كأنها دعوة رسمية لمعرض فني أو ندوة ثقافية” قرّر عمر هذه السنة أن يُرسل تسجيلات صوتية لدائرته المقربة، موجهة مباشرة لكل شخص على حدى، ويقول “جهد بسيط يظهر مدى إهتمامك بمن تحب”
«العيد يعني عيدية»
وبعيداً عن المعايدات والأمنيات، تعودُ الذاكرة إلى طفولة شام السحار، والتي لا ترى معنى للعيد بدون «العيدية»، إذ لا تزال تحتفي بها رغم بلوغها الثالثة والعشرين عاماً، تستذكرُ شام وهي شابة متطوعة مع منظمة إنسانية “العيد يعني عيدية، كنّا في اليوم الأول من العيد نتوجه إلى بيت جدتي، لنهنّئ خالاتي بالعيد، وكانت هذه الفقرة الأمتع، إذ تشمل تعبئة المطمورة بالعيديات التي كانت عبارة عن خمسينات ومئات الليرات السورية الجديدة، بالإضافة للعملات النقدية التي تصدرُ صوتاً عندما تتحرك مع بعضها”
تتكرّر الحالة مع شام في كل زيارة تقوم بها لمنزل من منازل أحد الأقارب، وتجمّع «مبلغاً مرقوماً» في نهاية العيد، وفي قلبها «الكثير من السعادة».
تبدو ملامح الفرح واضحة على وجهها أثناء حديثها، وقد غمرتها نشوة الذكريات، واسترسلت في الحديث عن حكايا العيدية وقالت: “العيدية ذكرى استثنائية في ذاكرة كل طفل، لذلك أحرصُ على إعطاء الأولاد الصغار مبلغاً مهما صغر، دخلتُ الجامعة، وصرت شابة، ومع ذلك لا زلتُ أبتهجُ حين يعطيني والدي عيدية، وتبقى الفرحة مهما كبرنا”
«العيدُ هو ضحكة الأطفال»
تشتركُ لبنى مع شام بالذكريات السعيدة عن العيد، وتحصرها أيضاً بالـ «العيدية والأطفال»، وتقول الشابة العشرينية: “كنتُ أنتظرُ العيد من أجل العيدية، لأجمعها وأذهب مع صديقاتي إلى الملاهي ونشتري الحلويات”.
تدركُ لبنى حجم الصعوبات المادية التي تمرّ بها الأسرة السورية حالياً مع ذلك ترى أنه “لم يبقَ من العيد سوى ضحكة الأطفال” وتقول: “ليس بالضرورة أن تكون العيدية مبلغاً كبيراً، يمكن أن تكون مبلغاً رمزياً مع قطعة سكاكر أو حلوى، وهذا كفيل برسم الابتسامة على وجوه الأطفال”