تعد قضية توريث النساء في بلدٍ مثل سوريا شديدة التعقيد بالنظر إلى أن حق النساء في الميراث لا يُستمد فقط من الشريعة الإسلامية، فهناك أيضاً المحاكم المذهبية والروحية الخاصة بالملِل والطوائف المختلفة.
والتعقيد يتعدى حدود النصوص القانونية، فهناك أيضاً ضغط العرف الاجتماعي الذي غالباً ما يُدين النساء إذا ما طلبن بحقهن. يستند العرف إلى عدد من المسوغات المتوارثة، ومنها: “عدم الرغبة في تفتيت إرث العائلة وملكيتها من الأراضي بإعطاء حصة لصهر غريب”، أو أن “الزوجة تستفيد في المحصلة من ميراث زوجها فلا حاجة لأن تقاسم أخوتها أيضاً على ميراثهم!”.
ترى الصحفية نغم سلمان، المقيمة في محافظة طرطوس، أن الظروف التي عاشتها البلاد منذ عام 2011 وما رافقها من خسائر في الأرواح والممتلكات، أثرت على قضية حق الميراث. وتحكي سلمان عن شابة أجبرها أخوتها على التنازل عن حقها في المحكمة بعد موت والدها، ومن ثم أجبروها على التنازل مرة أخرى بعد استشهاد أخيها وحصولها على جزء من ميراثه. وكان التعلل بالضغط المادي وسيلة لتبرير سلوكهم هذا.
بدورها تشير السيدة (ب.ع)، التي عملت كموظفة في المحكمة المدنية ثم المذهبية في السويداء، أن العرف الاجتماعي الذي يدين المرأة، إن هي طالبت بحقها في الميراث، أكثر تأثيراً من النص القانوني. فالسيدة تخبرنا أنها شهدت، خلال سنوات عملها الطويلة، قصصاً عن نساء حاولن الدفاع عن حقهن في الميراث، وتقدر أن أكثر من 90% منهن كن يحصلن حقهن، إذا ما لجأن إلى القانون. تضيف أن القانون بنظرها ما هو إلا متمم لموقف المجتمع السلبي من قضايا معينة، وحين يتبدل هذا الموقف، سيتحرك الناس للمطالبة بتبدل القانون.
وتلحظ السيدة (ب. ع) أن هناك جهلاً كبيراً لدى النساء فيما يتعلق بحقوقهن، وتورد مثالاً على ذلك (الأراضي الأميرية) أي الأرض السواد غير المُنظمة والتي تتبع لقواعد الإرث القانوني: “للذكر مثل حظ الأنثى”. وتضيف (ب. ع) أن العرف الاجتماعي يضغط على النساء كي “يشترين محبة عائلاتهن بالمال” كما لو أن أسرهن تقول لهن: “اسكتي عن حقك حتى تتمتعي باحتضان أخوتك”.
وللتأكيد بأن حرمان المرأة من الميراث لا يرجع فقط إلى خلل في النصوص القانونية، يمكن الإشارة مثلاً إلى القانون رقم (7) الصادر عام 2011 والخاص بقضايا الإرث والوصية عند الطوائف المسيحية الشرقية، والذي تساوت بموجبه المرأة المعتنقة للمسيحية مع الرجل في مسألة توزيع الإرث. لكن وبالرغم من ذلك ما تزال قناعات المجتمع على أرض الواقع أمراً مختلفاً تماماً، وهذا ما تؤكده لنا الأنسة سهى (33 عاماً) –اسم مستعار- من محافظة حمص والتي تقول بأن هناك عرفاً سائداً في بلدتها يقول “فتيات مرمريتا لا يرثن”. وهذا ما دفع والدها لإبرام عقود بيع شراء مع بناته، كي يضمن ميراثهن.
القانون بدوره قد يفسح مجالاً واسعاً للتلاعب بقضية الميراث، وهذا ما تؤكده حكاية السيدة سهام -اسم مستعار- التي تقول بأن القانون فشل في ضمان حقها وأخواتها بعد مواجهة أشقائها الذكور الذين استطاعوا استغلال ثغراته لإبطال وصية الأب وشطب أسماءهن منها. وتضيف أنه، وللمفارقة، فالمحامية المسؤولة عن ذلك تروج لحق المرأة في التوريث عبر المنابر الإعلامية.
تختم السيدة كلامها بالقول أنها وأخواتها سلمن بحرمانهن من ميراثهن الشرعي، حينما وصل الأمر إلى حد استدعاء أخوهن إلى المحكمة، لإيقافه بتهمة تزوير الوصية، فالأخوات رق قلبهن، فأسقطن حقهن.
بدورها ترى رفيف من حمص (29 عاماً) أن معظم المواد القانونية المستمدة من الدين تعتبر الرجل مسؤولاً عن الأسرة فيما تكون المرأة مجرد تابع، بغض النظر عن الطابع التشاركي للعائلة المعاصرة اليوم. من جانبها ترى نفسها محظوظة كونها ترعرت ضمن عائلة اتخذت قراراً بتقسيم الميراث بالتساوي بين الأبناء والبنات.
أينما تجوّل المرء في سوريا يسمع الحكايات ذاتها: أجدادٌ لا يورثون أحد أبناءهم لأن الحفيدات كن إناثاً فقط، أو نساء يخجلن من المطالبة بحقوقهن أو يجبرن على ذلك. تلك القصص لا تختلف باختلاف الملل والمذاهب، فالعرف الاجتماعي الذي يجعل استمرار محبة العائلة للمرأة مشروطاً بتنازلها عن حقوقها المادية، ما يزال حتى هذه اللحظة سائداً ومشتركاً في كثير من المناطق السورية.