مع كثافة الأعمال الدرامية التلفزيونية خلال “موسم” شهر رمضان، غالباً ما يجد المشاهد نفسه محصوراً في مساحة ضيقة تتيح له متابعة عدد محدود من هذه الأعمال التي يختلط فيها “الصالح بالطالح” نتيجة كثرتها. فكيف يقيّم الجمهور السوري ما يُقدّم له عبر “الشاشة الصغيرة”؟ ولأي مدى تعكس “صنعة الدراما” في سوريا تطلعات جمهورها؟
شهدت الدراما السورية تقدماً كمياً ملحوظاً منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي، وصولاً إلى نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، مدفوعة بالتسهيلات التي قدمتها شركات الإنتاج الجديدة الناشئة في ذلك الحين، وهو ما سمح بظهور مسلسلات درامية مميزة حفرت اسمها في ذاكرة السوريين، لكن مرحلة تراجع واضحة طرأت على هذه الصناعة قبل الحرب بفترة يسيرة، ويرجع معظم النقاد هذا التراجع إلى الفترة التي اتجهت فيها الدراما السورية للاعتماد على التمويل العربي (الخليجي خصوصاً)، والذي أثّر بدوره على المنتج الدرامي، لا من حيث آليات صناعته فحسب، بل من حيث صياغة الفكرة الدرامية من أساسها.
تؤكد الشابة أروى ملحم التي تدرس في كلية الإعلام بدمشق على مشكلة جديدة تواجه الدراما السورية، وهي المشكلة المتمثلة بالإنتاج المشترك (المقصود الإنتاج المشترك بين أكثر من دولة): “نجد أنفسنا فجأة أمام حبكة درامية نادراً ما تحدث في واقعنا الذي نعيشه، وتشعر وكأن الهم الأول أمام الكاتب هو أن يجمع الممثلين السوريين واللبنانيين والمصريين في عمل درامي واحد، بغض النظر عن مستوى هذا العمل وملامسته للواقع”.
بدوره، يشير الشاب أحمد سويدي (28 عاماً) إلى إشكالية المضمون الذي تحمله غالبية الأعمال الرمضانية: “علينا أن نسأل أنفسنا ما هي القيم التي تقدمها الدراما اليوم وتروّج لها؟ ما الذي يعنيه أن يصوّر الشخص المتواري عن الأنظار والمهرِّب وتاجر المخدرات إلى بطل درامي يتعاطف معه الجمهور؟ ثم ما الذي تريده الجهة المنتجة للدراما عندما تحاول أن تصور مسائل مثل اضطهاد المرأة والعنف الأسري والانحلال على أنها مسائل أصيلة في تراثنا وطبيعتنا كسوريين؟”.
في المقابل، ترفض (نورا – اسم مستعار) وهي الطالبة في المعهد العالي للفنون المسرحية كل ما يقال عن أن ذائقة الجمهور هي التي تدفع بالإنتاجات الدرامية إلى هذا المستوى، مشددة على أن “منطق (الجمهور عاوز كده) هو منطق تبريري لا يمت للواقع بصلة، فالأعمال الدرامية هي التي تساهم في تطوير ذائقة الجمهور ورفع كفاءتها لا العكس، فالجمهور الذي يتفاعل مع المسلسلات الهابطة اليوم هو ذاته تقريباً الجمهور الذي تفاعل سابقاً مع “الفصول الأربعة” و”أحلام كبيرة” و”نساء صغيرات” و”ورود في تربة مالحة”… إلخ”.
وفي السياق ذاته، يرى رئيس تحرير منصة Et Syria، أنس فرج، أن الدراما قائمة على متطلبات السوق، حيث هنالك عملية تحول جرت من “دراما تبحث عن هوية وطنية” إلى “دراما تبحث عن تسويق”، وقد “جرفت عملية التحول هذه الدراما من كيانها السوري ودفعتها إلى إطار مشترك تغيّر خلاله التوجه من مخاطبة المجتمع السوري ومحاكاته، إلى إنتاج دراما قائمة على الترفيه المنزلي التلفزيوني فقط. وفي عملية التحول هذه بتنا نشاهد نموذجاً للمرأة متمثلاً بالمرأة التي تتصف بمقومات جسدية معينة ونمط حياة معين، ويقوم هذا النموذج بإيصال رسائل معينة بعيدة عن نموذج المرأة السورية الذي يمكن أن نختصره بالفنانة يارا صبري في مسلسل “الفصول الأربعة”، وسلاف فواخرجي في “عصي الدمع” و”ورود في تربة مالحة”…
وحسب فرج، فإن القيم الاجتماعية التي تترسخ في الدراما اليوم، منشأها أن الكاتب يحاول أن يتماشى مع فكر المنتج كي يبني النص، وبالتالي يغيب الإحساس بالواقعية: “إننا بحاجة إلى إقامة ورشات كتابة، وتسليم المهمة إلى كتاب كبار يديرون كتاباً شباباً موجودين على أرض الواقع ويلاحظون التحول الذي يجري في المجتمع. كما نحتاج إلى مساحة نقدية أعلى: ملاحظات أكبر من النقاد، وتأنيب أكبر من الحكومة لصناع الدراما كي ينتجون قيماً اجتماعية في أعمالهم، وهذا الشيء الغائب في سوريا على العكس تماماً من مصر التي يقوم فيها المجلس القومي للدراما بمتابعة الدراما ووضع ملاحظات عليها، ليس بالضرورة أن يوفق بعمله دوماً، لكنه جهة رقابية على قيم الدراما ودلالاتها وليس جهة رقابية على الخطوط السياسية كما هو الحال في سوريا”.