أحد الشوارع المدمرة في حمص - أميرة مالك
article comment count is: 0

قرمشلية حمص

“شو عم تصورو… الخراب!” يقولها لنا غاضباً، شاب أربعيني يركب دراجته ويمر أمامنا في حي باب عمرو بمدينة حمص، نحن مجموعة الفتيات القادمات من خارج هذه المدينة لزيارتها، فمن سمع ليس كمن رأى، كان لابد لنا من معاينة المكان، ليس من باب تعزيز الشعور بالعجز الموجود داخلنا اتجاه من دفع ثمن كل هذا الخراب فقط؛ بل لنفكر أيضاً في مصدر هذه القدرة التدميرية الخاصة بالبشر.

كان هناك رد لسؤاله؛ ولكن كيف يمكن لنا إجابة من تحمَّل حرب سبع سنوات وخسر فيها كل ما لديه؛ وكيف لنا التوضيح بأننا نصور الخراب ليس لسعادتنا بمظاهره بل من شدة فجيعتنا، هل يمكن إخباره بأننا نوثق كي لا ننسى؛ وحتى نعمل ونتعلم؟.

أحياء تضج بناسها.. وأخرى فارغة

حمص المدينة المقسمة بين أحياء تضج بناسها وأصوات حياتهم؛ وأخرى فارغة إلا من رائحة الموت، لا شيء يسمع فيها سوى صوت الرياح والسنونو وبعض أغصان الأشجار التي عاودت دورة حياتها؛ فقط أصوات سماوية، لا وجود لأي همسات على الأرض.

“كنت أبحث عن أثر للحياة؛ وأجدها عند لافتات المحلات التي أقف عندها لقرائتها بتمعن”، تتحدث نغم سلمان، المصورة التي تزور حمص للمرة الأولى في حياتها؛ قادمة من طرطوس، المدينة التي تم تشهد الحرب على أرضها، ولكنها عاشت أثارها عبر استقبال جثامين الضحايا من أبنائها، وما وصل إليها من عواقب، كالخوف والغلاء والهجرة والنزوح.

“أبو عرب لترحيل الأتربة” شيء آخر يلفت نظر نغم وانتباهها؛ تلك الجملة التي تكررت بكثرة في مناطق الدمار، فهي المهنة الأكثر طلباً من قبل ساكني هذه الأحياء، والتي شاهدتْها أثناء جولتها برفقة صديقتها، ابنة مدينة حمص، رانيا، التي سبق أن تعرفت عليها خارج هذه المدينة. تتودع الشاباتان على مفترق طريق افترشته الحشائش والأشواك نظراً لعدم مرور أناس منذ زمن، لتخبر نغم صديقتها سراً: ” أحببتك في حمص أكثر مما أحببتك خارجها”.

الثقة مفتاح الحل

“نحن ماوثقنا ببعض لهيك قتلنا بعض، وبس نبني الثقة بنرجع منعيش” تصف آلاء الطرشة بعض الأسباب التي جعلت من حمص أكثر المدن دماراً خلال الحرب في سوريا، الشابة العشرينية التي تصر على بقائها داخل مدينتها، وتدافع عن ذلك بكل ما لديها من قوة عبر عملها التطوعي ضمن عدد من المبادرات الشبابية، والإغاثية، بالإضافة إلى إطلاقها مشروع “شغف” الذي يعمل على بناء التماسك المجتمعي في المدينة. تضيف: “مجرد قدرتنا على دخول بعض المناطق وفتحها من جديد؛ إنجاز”.

مدينة التناقضات .. حمص

مدينة التناقضات حمص؛ كثيرة فيها الطوائف والقوميات، لدرجة لا يستطيع زائرها الشعور بوجود صبغة حقيقة جامعة لناسها، أضف على ذلك الانقسام الجغرافي للأحياء، حيث كل واحد منها يأخذ طابعاً وشكلاً مختلفاً من خلال نوع الغالبية المطلقة التي تسكنه، كما أن اختيار الحي الذي تود  زيارته مرتبط بأوقات الطقوس الدينية والاجتماعية لساكنيه.

التناقض بين داخلنا خارجنا، أمر آخر يتحدث عنه قصي الشعار، أحد أبناء هذه المدينة: “يظهر التناقض عند أول مطب يمكن أن يتعرض له بعض من أبناء المدينة ممن يدعون تقبل الآخر والانفتاح؛ ليشكل وقتها اللاوعي المغذيَ الأساسي للشعارات الطائفية والاتهامات.”

قصي قائد لعدد من مبادرات بناء السلام في حمص، وعلى الرغم من قصص النجاح التي حققتها هذه المبادرات في خلق مساحة للتعبير، إلا أن هذ الفسحة لا تتسع إلا لـ 3% من شباب المدينة كما يقول، مضيفاً: “نحن بحاجة إلى شيء أكبر يصل إلى عمق وقلب المشكلة”.

واقع قائم على رمال متحركة

حمص اليوم تعيش واقعاً مستقراً قائماً على رمال متحركة نتيجة حاضر وتاريخ هذه المدينة؛ ولما للحرب من آثار سلبية عززت مظاهر هذا الواقع، وهو أمر يدفع بأبنائها للتأقلم معه، وعدم شعورهم بأنه طارئ.

توضح حنين أحمد، مؤسسة مبادرة “حلم كون” الهادفة لتعزيز الانتماء للوطن، وجهة نظرها هذه من خلال تجاربها في العمل المدني داخل حمص؛ قائلة: ” أؤمن بالعمل على المحاور العابرة للانقسام؛ لأنها فقط القادرة على تأسيس أرضية حقيقة تؤسس الانتقال إلى حياة مدنية وانتماء للمواطنة، أي كان نوع هذه المحاور، المهم أن تتمكن من خلق هوية مشتركة للجميع”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً