كان النقد قديماً يحتاج لعدّة خطوات حتّى ينشر للعامّة، ويعدّ مجالاً كبيراً لا يمارسه سوى النخبة ذوي الأسماء الكبيرة واسعة الخبرة الأدبيّة حتى يستطيعون نشر مقالاتهم النقديّة في الصحف، ولكن اليوم بعد انتشار منصات التواصل الاجتماعيّ بات النقد ممارسة عامّة، يستطيع أيّ كان فعلها.
إيجابيات الحريّة النقديّة الفيسبوكيّة:
عانى مجتمعنا على مرّ الزمان من كبتٍ لحريّة الآراء فكان الفيسبوك فسحة واسعة للشباب لنشر آرائهم بكافّة المواضيع دون قيد أو حتى رقيب في بعض الأحيان، حيث يعتبر البعض هذه المساحة الزرقاء موقعاً مهمّاً، كما هو الحال بالنسبة لطالب الجغرافيا علي (25 عاماً) والذي يراه مجالاً واسعاً يستطيع إبداء رأيه فيه ومناقشته مع أصدقائه، ويضيف: “يبعث فينا الفيسبوك كشباب راحة غريبة، فأنت لا تناقش الآخر وجهاً لوجه بل ببساطة تكتب رأيك بالشكل الذي تراه مناسباً، فنحن كشباب لم تسمع أصواتنا إلّا من خلال منصّات التواصل الاجتماعيّ، وهذا ما يدفعني لاختيارها كمساحة مفتوحة تستقبل آراءنا بكلّ صدرٍ رحب”.
سلبيّات النقد الفيسبوكي:
الانتقادات لامست أشخاصاً وأعمالاً للكثيرين وسبّبت سلبيّات تغاضى البعض عن نتائجها، فبالنسبة لحسن (22 عاماً – طالب هندسة المعلوماتية) يعتبر الفيسبوك اليوم أداة مؤذية للعديد من الشباب، فبعد التجربة التي عانى منها صديقه إثر النقد من على هذه المنصّة؛ بات الفيسبوك يشكل مصدر إزعاج، ويحاول اليوم قدر الإمكان الابتعاد عنه، وعن التجربة التي عانى منه صديقه يقول: “بعد نشر صديقي لفيديو يرقص فيه الباليه؛ تعرّض لانتقادات مؤذية تمسّ شخصه، انتقادات ينقصها الخبرة الفنيّة في مجال الرقص وخالية من الأخلاقيّات الإنسانيّة، ما سبّب له كآبةً يحاول إلى اليوم الخروج منها”
رأي مختصّ:
متابعتي لصفحة الصحافي السوري صدّام حسين على موقع الفيسبوك دفعتني لسؤاله عن رأيه بهذا الموضوع بما يملكه من خلفيّةٍ إعلاميّة لافتة، وكانت زبدة نقاشنا كالتالي:
“إنّ ثورة الإنترنت وبخاصّة مواقع التواصل الاجتماعيّ هي كسر للحاجز الثالث بعدما كسرت الطباعة والتلفزيون والراديو الحاجزين الأوّل والثاني الذي منح الجمهور ثورة فكريّة في ذلك الوقت، فهذه المواقع سمحت للجميع بالتعليق المباشر على جميع المواد (المكتوبة والمرئيّة) ما شكّل صدمة للعاملين في مجال الاعلام والفن والسياسة، حيث أصبحت ردّات فعل الناس مباشرة”
ويضيف الشاب الثلاثيني خلال حديثي معه عبر “المسنجر”: “بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعيّ فهي كسرٌ للحاجز الرابع بين الناس والاعلام، فالجميع يملك الآن حق النشر الرؤيوي والمواد دون المرور عبر أيّ وسيلة إعلام، فأوّل مبدأ في السوشال ميديا هو ديمقراطيّة النشر، وكان نشر الآراء الجيّدة والسيئة ميّزة فيها وليست عيباً عندما سمحت للجميع بإبداء رأيه”
وبالنسبة للعاملين في المجال الصحفيّ ممّن في السابق كانوا مصدر المعلومات والانتقادات يقول: “إنّ خرّيجيّ المدرسة الإعلاميّة القديمة لم يستوعبوا طبيعة الإعلام الجديد، وفي المستقبل ستصدر قواعد لتصحيح مسار إعلام السوشال ميديا، فالانترنت هو إعلام المستقبل وعلى المتخصّصين التوجه للجمهور من خلال الانترنت، فأنا كصحفي عليّ التواجد على كل مواقع التواصل الإعلاميّ الجديدة”
يعدّ النقد بجذره الأساسيّ شرحٌ يمتصّ سلبيّات العمل المنتقد، ولكنّه يحمل قواعد أدبيّة وأخلاقيّة لا يمتلكها سوى دارسيّ النقد بشكله الأكاديميّ أو الشخصيّ، كما يحتاج لخبرة طويلة حتى يستطيع الشخص ممارسته فكان هذا فيما مضى، ولكن اليوم على منصّة الفيسبوك قليلاً ما نرى نقداً أكاديميّاً يطرح، وفي بعض الأحيان يتحوّل الرأي الشخصيّ لشكلٍ نقديّ قد يحمل تبعاتٍ بغنى عنها، إذاً هل نحن أمام إعلامٍ جديدٍ نصبح فيه جمهوراً صحفيّاً وناقداً معاً لتفتح أبواب كليّاتٍ جديدة تدرّس النقد الفيسبوكيّ!