“لقد كان الأمر أشبه بمعتقل تعذيب، تعنيف جسدي ولفظي وتهديد”
شاءت الأقدار أن تولد في أحد أحياء حلب الشرقية المحافظة والمتمسكة بالعادات والتقاليد، حرمت من طفولتها وفوق كل ذلك، تعرضت للتعنيف.
ياسمين شموقة، وبعد قصة مريرة من التعرض للعنف قررت مشاركة قصتها مع النساء السوريات، تلك القصة التي بدأت من طفولتها وصولاً لزواجها حيث قررت وضع حد لذلك.
“أرغمتني أسرتي على أن أضع النقاب في عمر الخامسة عشر، وعلى الرغم من كوني متفوقة في المدرسة، أجبرت مكرهة على الجلوس في المنزل وعدم استكمال تحصيلي العلمي، ومنعت حتى من اللعب أو الخروج لشراء الأغراض”، وتتابع: “دوما ما كانت والدتي تتحجج بأن الفتاة التي تخرج من المنزل سوف تفسد أخلاقها، ولم يكن أبي يتدخل في تربيتنا”.
وتستكمل ياسمين بالحديث عن زواجها التقليدي، ذلك الزواج الذي لم يسمح لها بالتعرف على زوجها جيداً، فتقول: “كان كل شيء عنده ممنوعاً منذ بداية زواجنا، حتى لم يسمح لي برؤية أهلي أكثر من مرة في الشهر، كانت فترة زواجي به أشبه بقضاء الوقت في المعتقل”.
“تحملت أربع سنوات من الضرب والتعذيب والقهر، كان يتعمد ذلك ويستمتع به، وعلى الرغم من أنه كان يهجرني لشهور، اعتاد على تهديدي بالطلاق وأخذ الأطفال” تشرح قائلة.
وتضيف ياسمين: “عندما لم أعد أحتمل كم الإهانات والتعنيف التجأت لأهلي، وقدمت دعوى تفريق، إلا أن المحامي قام بابتزازي عندما وجدني امرأة مستضعفة، فكان يطلب مبالغاً كبيرة من المال، فاضطررت للعمل بالتطريز، ولم يكن سهلاً أبداً أن أكافح لأحصل على حريتي وأسترد كرامتي”.
“قررت أن أصبح محامية”، وتضيف: “بعد هذه التجربة قررت أن أبدأ من جديد، أن أستكمل دراستي وأن أصبح امرأة قادرة على تحصيل حقوقها وحقوق النساء الأخريات”.
استطاعت ياسمين وهي الآن أم لطفلين التخلص من براثن التعنيف المنزلي، وحصلت على الطلاق في أواخر عام 2005، ومن ثم عادت للدراسة لتسطيع الحصول على الشهادة الثانوية في ال2007 ماخولها دخول كلية الحقوق، الشيء الذي قررت الوصول اليه واستكماله، فتخرجت عام 2012، وتدربت وأصبحت المحامية ياسمين شموقة، التي تعمل في القصر العدلي في حلب وتتبنى قضايا النساء.
“طول مالقمتي من فاسي، موالي من راسي”، مقولة حلبية ترددها ياسمين وتعتبرها معبرة عن حالها وحال النساء، وبسؤالها عما تريد أن توجهه للنساء السوريات تقول: “لا تتواني ولا تستسلمي ما أنت قادرة على الاستمرار، أكملي دراستك أو اعملي، ولا تسمحي لأحد بأن يأخذ حقاً من حقوقك”، وتضيف بلهجة حلبية مرحة: ” كل ماكنتي عايزة حدا رح تضلي تحت رحمتو”.
هربا من قيود الأسرة والمجتمع:
“لم أعد قادرة على تحمل خوف أهلي علي من الدنيا الظالمة والذكور الذئاب، تعرضت للتعنيف الجسدي كثيراً بدافع الخوف والحب، ولكن .. الحب ليس بالضرب”.
إنانا وهي مهندسة معمارية في العشرينات من عمرها، فتاة من ريف دمشق بأفكار متشتتة ليبرالية بعد تدين طويل كما تصف نفسها، كان لنا لقاء معها لتقص لنا قصة “هروبها من مجتمعها المحافظ القاتل للحرية والتفكير والحب”.
تشرح إنانا: “في مجتمع تعتبر فيه الفتيات أن تعنيفها هو لمصلحتها، فإن قلة الوعي هي السمة الواضحة فيه، كانت بيئة لا تناسبني، فأنا أريد مستقبلاً واستقلالية، أن أرى الحياة وأتعلم وأعمل”.
وتضيف: “المجتمع أولاً، والدين ثانياً، والابتزاز العاطفي ثالثاً، والتعنيف النفسي والفكري رابعاً، والضرب خامساً، كل ذلك دفعني لأهرب، المرة الأولى لتلك التجربة باءت بالفشل”.
تكمل: “اضطررت للعودة إلى منزلي ومصالحة أهلي الذين اضطروا في النهاية للاقتناع بفكرة سفري، فقرروا مساعدتي للسفر بظروف جيدة خوفاً من ألسن الناس ونظرة المجتمع”.
إنانا والتي أكدت أنه لولا محاولتها الأولى لم تستطع النجاح في السفر ثانية، تعمل وبفضل شغفها ومثابرتها في عدة شركات في تركيا، وهي الآن تجتهد لإتقان اللغة، وتقول: “الدنيا فتحت لي أبوابها هنا”.
“أنا ابنة عشتار، كلي طاقة وحب للحياة، ويجب على كل فتاة أن تكون مثلي، أن تستقل وتبحث عن حياة تشبهها”، وتتبع ذلك: “إصراري وثقافتي أسلحتي أينما ذهبت، حياتي حقي ولن أسمح لأحد أن يسلبها”.
وتختم حديثها: “أنا فخورة جداً بنفسي وبقصتي وما وصلت إليه الآن”.
هن فتيات ونساء سوريات، وليس من حق أحد أن يسلب حقوقهن، وحقهن في الحياة حياة حرة، سيجمحن برغباتهن وأحلامهن ويحلقن بعيداً عن واقع ملؤه الصعوبات والتخلف، لكن يبق السؤال إلى متى؟
المراة تهز السرير بيمينها وتهز العالم بشمالها تحيه لكل سيده وكل ام ومناضله