"كل ما يشاع عن عدم وجود مضار لهذه المادة هو مجرد مبررات لا أساس علمي لها" شباك سوري
article comment count is: 1

“تسقط وردة نحبها… وينمو حشيش لا نحبه”

يحافظ طارق على نظرته الجادة، تلك النظرة الضرورية ليقنع من يتحدث إليه بأن تعاطيه لمادة الحشيش لا يسمح إطلاقاً بوضعه في إطار الصورة النمطية التي رسمها المجتمع عن المتعاطين. ولأنه يرفض هذه الصورة، فإنه يتجنب ذكر الاسم الشائع للمادة؛ يلتفت إليك، يقدّم لك إحدى السجائر، ويسألك: Weed؟

في السيارة المتجهة إلى إحدى مزارع جرمانا، يتردَّد مضيفنا بوضوح قبل أن يبادر في طلبه: “الشباب مرحين وقلوبهم طيبة، وهم متعلمون أولاد عالم وناس، لا ينبغي استفزازهم بالتهم والمواعظ التي ملّوا من سماعها”. بينما في المزرعة، لا شيء يثير الانتباه: سبعة شباب يلتفون حول ثامنٍ يعزف على العود، بعض المكسرات زهيدة الثمن، وكؤوس من الشاي.

بعد وقت من النقاشات المتنوعة، يكسر “عمر” الجليد ويدخل في الموضوع مباشرة: “ليس هنالك أحد يرتكب جريمة هنا، مسألة الحشيش في البلد باتت مسألة عادية، وحتى في الدول المتحضرة، يفكرون الآن كيف يستطيعون تشريع زراعتها”.

يتابع الشاب الذي تخرّج لتوه من كلية العلوم بدمشق: “الناس هنا لا تزال غير قادرة على التمييز بين من يدخن الحشيش وبين من يتعاطى المخدرات، أنا بحثت كثيراً، لم أجد حالة واحدة مات فيها أحد من جرعة حشيش زائدة”. يدخل “رائد” على خط النقاش محاولاً التصويب: “ليس المهم إن كانت هنالك حالات متشوهة لإدمان هذه المواد. نحن ليس فينا هنا من يتسم بتلك الصورة النمطية عن الشخص “الحشاش”. ما نقوم به ليس إلا محاولة لخلق مساحة خاصة بنا، ننسى فيه همومنا ومشاكلنا اليومية”. وفي ردّ على سؤالنا عن الطريقة التي يحصل فيها الشباب على الحشيش، تنتاب بعض الشباب هستيريا ضحك عالية، بينما يستهجن البعض الآخر السؤال من أساسه، فيما يكتفي “رائد” بالقول: “تقريباً أي بسطة في دمشق يمكنك أن تطلب منها ذلك، وإذا كان صاحب البسطة لا يبيعها فإنه سيدلك للطريق إليها”.

على هامش الحديث المحتد بعض الشيء، يتدخل مازن (28 عاماً) طارحاً رأيه على الملأ، فهو، وإن كان يتقاطع مع بقية الشباب بتعاطيه للحشيش، إلا أنه في العمق ليس راضياً عن هذا السلوك، فحسب رأيه “في الحالة الطبيعية لا ينبغي لنا أن نسلك هذا السلوك، لأنني أرى فيه محاولة لتنشيط المخيلة الفردية اصطناعياً، وهذا خطر جداً على المدى الطويل، وأرى أنه يزيد خطراً عن المضار الصحية للمادة في حال وجدت، فأن يتعود الإنسان على أن الأفكار الإيجابية والنشاط والإبداع مرتبطة لديه بتعاطي هذه المادة أو تلك، فإن ذلك سيكون مدمِّراً له ولوعيه الإنساني”. ويتابع الشاب الذي يجهّز نفسه للانتهاء من رسالة الماجستير في علم النفس بدمشق: “يجب أن يرى الشباب السوري أفقاً لمستقبله المهني والفردي وحتى الجماعي كي ينسلخ عن كل التشوهات التي ظهرت وتكاثرت خلال الأحداث في البلاد، وهذا يتطلب عملاً هائلاً لن يقدر الأفراد على القيام به، بل كل الفاعلين في المجتمع سوية، وحتى ذلك الوقت، من الطبيعي أن يبحث الشباب عن كل ما يساعدهم على تحمل الإجهاد والملل، هل ستسمي ذلك إدماناً؟ حسناً، برأيي أن الأمور التي تخفف من المعاناة وتعدل المزاج تستأهل أن نكرر ممارستها، حتى ينتفي السبب الأساسي الذي دعانا بالأصل للجوء إليها رغم معرفتنا بمضارها”.

في داخل إحدى الكليات النظرية ذات التعداد الهائل للطلاب بدمشق، تتهكم لينا على الحذر الزائد في التعاطي مع المسألة: “لماذا تهمس همساً؟ قلك سر؟ بمكتبة الكلية هون بتلاقي مين يعطيك حشيش، وبأسعار منافسة كمان…”، وتشير إلي بالعبارة التي طبعتها على قلادتها: “تسقط وردة بالرغم من حبنا لها، وينمو الحشيش رغم أننا لا نحبه”، وتتابع: “هذه الجملة اقتبستها من فيلم أو رواية لم أعد أذكر، ولكنني أجدها تعبر عن حالة كل من يدخن الحشيش، حيث لا أعتقد أن هنالك من ذهب إلى الحشيش بقدميه، بل ذلك الأخير هو من مشى إلينا جميعاً، وفي مثل الظروف التي نعيشها يغدو الحشيش أقل ما يمكن للإنسان أن يفعله في مواجهة رداءة الواقع”. ثم تحسم حديثها بشيء من التحدي: “أنا بس لاقي شغل حبو، وبس فوت بعلاقة أنا رضيانة عنها، الله يلعني إذا رح أحمل سيجارة بإيدي…”.

في المقابل، يؤكد سامر هارون، الطالب في السنة الرابعة بكلية الطب البشري في دمشق، على أن الموقف الطبي من الحشيش لا يقبل الجدل، وإن كل ما يشاع عن عدم وجود مضار لهذه المادة هو مجرد مبررات لا أساس علمي لها: “للحشيش تأثيرات كارثية على التعلم والتذكر وأداء الوظائف المختلفة والانتباه، وانتظام الشعور واختلاله فيما يرتبط بالذعر والقلق والاضطراب، فضلاً عن الزيادة في معدلات ضربات القلب والتي تترك أثراً طويلة لدى متعاطي المادة، ذلك كله ولم نتحدث بعد عن التأثيرات النفسية والجنسية التي لا تقل ضرراً، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الآثار مرتبطة بمادة الحشيش ذو الجودة المرتفعة، أما ما هو متداول في السوق السورية فلا يمكن التنبؤ تماماً بالآثار الأخرى المتوقعة”.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (1)

  1. اعتقد اني اميل ﻷوافق مازن في الرأي.. الحشيش مش موجود من مبارح ليش اليوم حتى صار كتير منتشر.. و مقبول! سواء كان هذا الانتشار ممنهج أم لا
    هو بصراحة الواقع متردي بكل ابعاده و ما من أحد بإمكانه الدفاع عن هاد الواقع لهيك نحنا منقول عادي.. حقو و مافيك تمنعو او تحكي معو شي (و إن كان هالحديث ضمن مونولج داخلي ) ما انت أساسا مش موفرلو شي احسن من الحشيش و بالنهاية اي حدا هو بحاجة التفريغ في ظل واقع متردي متل اللي نحنا عايشنو و لسا الأنحس هو انو هالتفريغ بيبقى مش وظيفي ﻷنك بس فرغت بترجع للواقع النحس يلي مو قادر تغير فيه فبتفضل تضل ضمن مرحلة التفريغ هي لتصبح بالنتيجة حالة و سلوك بدون هدف و بالتالي بتفقد محتواها و بتتحول ل شذوذ
    و بنسحب الموضوع على كل اساليب الانفصال عن الواقع يلي ممكن يستخدموها الشباب.. بالتالي المشكلة مش مشكلة حشيش، الموضوع برأيي اصعب و أكثر تعقيدا