لم تكن منال (اسم مستعار)، تعتقد يوماً أن عملها الذي تحبه سيصبح عبئاً لا يحتمل، وضغطاً لم تجد وسيلة للخلاص منه سوى تقديم استقالتها.
تروي منال لـ “شباك سوري” حكايتها التي بدأت لحظة طلاقها، حيث تغيرت طريقة تعامل زملائها ومحيطها في العمل معها، تشرح قائلة: “فجأة تشعر أن كل من حولك ينظر إليك بطريقة خاطئة، البعض ينظر لك كضحية، وآخرون يعرضون أنفسهم بطريقة وقحة بحجة المساعدة”.
بعد أن تخلّت عن عملها، في شركة خاصة، مازالت منال تبحث عن عمل في بيئة جديدة بعيدة عن ضغوط المجتمع ونظراته المسيئة لها، وفق تعبيرها.
خلال حديثها عن التحرش، تذكر منال أشكالاً عدة لما تعرضت له خلال عملها، سواء نظرات زملائها وزميلاتها، أو حتى جمل الغزل أو المواساة التي بدأت تسمعها بشكل متزايد، وصولاً إلى محاولات اللمس غير المبررة بداعي مؤازرتها.
ترى منال أنه لا يوجد إنسان لم يتعرض للتحرش، إلا أنه يكون أكثر قسوة عندما يقترن بظروف اجتماعية معينة، وتوضح قائلة: “قبل أن أنفصل عن زوجي تعرضت بالطبع للتحرش، إلا أن تلك الحالات كانت متباعدة، وكنت أنظر إلى بعضها بحسن نية، خصوصاً في مكان العمل، إلا أنه وبمجرد أن انفصلت عن زوجي، انقلب كل شيء، أصبحت بنظر البعض امرأة سيئة، وبنظر آخرين صيداً سهلاً، الأمر الذي ضاعف المشكلة”.
هروب مستمر
نور (اسم مستعار)، وهي طالبة جامعية وتعمل في أحد مقاهي اللاذقية، ترى أن: “المقاهي قد تكون أكثر الأماكن التي ينتشر فيها التحرش”، وفق تعبيرها، وتوضح قائلة: “فرضت عليّ طبيعة دراستي البحث عن وظيفة يمكنني التحكم بساعات العمل فيها، وهو ما توفره المقاهي، رغم قلة الرواتب والمواقف المستمرة التي أتعرض لها خلال الدوام، سواء من بعض الزبائن، أو من الزملاء، أو حتى أصحاب العمل نفسه في بعض الأحيان”.
تعتبر نور أن التحرش “ظاهرة مستمرة” وأن على الفتاة أن تحاول “تطنيشها” قدر المستطاع، إلا إذا زاد الأمر عن حده، وتقول: “ارتديت في إحدى المرات محبس خطوبة، بناء على نصيحة من صديقتي، إلا أن هذا المحبس لم يمنع الأمر”، وتضيف: “يشبه الأمر عملية هروب مستمرة من واقع نعيشه كل يوم”.
“كاس على كل الناس”
سعاد (اسم مستعار)، التي تعمل مدرّسة في مدرسة حكومية، تؤكد خلال حديثها أنها تعرضت للتحرش مرات عدة من قبل زملاءها في المدرسة، وتقول: “قد لا يرغب كثيرون في الحديث عن الأمر لأنهم يعتبرونه فضيحة، إلا أن هذه الظاهرة منتشرة في كل مكان، وجميعنا تعرضنا لها، وهي كاس على كل الناس، سواء الإناث أو الذكور”، وتضيف قائلة: “أحد زملائي كانت تطارده زميلة لنا، الأمر الذي دفعه في النهاية إلى الانتقال إلى مدرسة أخرى”.
تعتبر سعاد أن المشكلة في الأساس تعود إلى طريقة التربية في المنزل أولاً، وإلى الأفكار الخاطئة في المجتمع، الأمر الذي يدفع ضحايا التحرش إلى الصمت، مما يسهّل الطريق أمام المتحرش حيث لا يجد رادعاً أخلاقياً أو قانونياً يمنعه، وفق تعبيرها.
الوعي هو الأساس
بدورها، ترى الأخصائية في علم السلوك “روعة الكنج” أن التحرش هو “ظاهرة جماعية”، وتوضح قائلة: “الجميع يتعرضون للتحرش والجميع يمارسونه بسبب عدم الوعي، خصوصاً أن له أشكالاً عدة سواء النظر أو الحديث أو اللمس”.
تشرح الكنج خلال حديثها إلى “شباك سوري” أن المجتمع بحاجة إلى تحرك فعلي لشرح ماهية التحرش وأنواعه، لأن عدم إدراك المجتمع له يساهم في انتشاره، إذ يقوم كثيرون بالتحرش دون أن يعو أن ما يقومون به تحرشاً، كما أن العديد من الأشخاص يتعرضون له دون إدراك ذلك، وكل ما يدركونه هو الإحساس بالانزعاج أو التعب والإرهاق وعدم التركيز دون معرفة السبب وراء ذلك.
وتؤكد الكنج خلال حديثها على أن: “التحرش يؤثر على الصحة النفسية، وعلى الجهاز المناعي، وهو ما على المجتمع أن يعيه”، وتتابع قائلة: “بعد ذلك يمكن الحديث عن قانون خاص بالتحرش بكل أشكاله قد يشكل وازعاً يقلل من انتشاره”.
يذكر أن القانون السوري لا يعاقب على التحرش بشكل عام، إنما يحدد مواداً تتعلق بالأعمال المنافية للحشمة وخدش الحياء العام ويعاقب مرتكبيها إذا ثبت ارتكابهم لها، الأمر الذي يتطلب وجود شهود على الواقعة.