يحاول الشباب اليوم البحث بين زوايا الحدود السورية عن الأمان الذي فقدوه خلال السنين الأخيرة، فبعد الخوف الذي امتزج بين كلّ إحساس شعرنا به والصور التي علقت في ذاكرتنا، نبحث باستمرار على زاويةٍ مضيئة لنرتشف منها طمأنينة ما، أو راحة تسد رمق الحرب.
- الأمان الخياليّ:
تبتسم الشفاه وتضرب ضحكات جدران منزل ريما عام 2012 على أوجه عائلتها على عكس اليوم، حيث بات الفرح يتجمّع على شاشات أجهزتهم الخلويّة والتي تعكس بداخلها بعضاً من الزيف المفتعل والاشتياق للضحك العفوي حين كانت تجتمع العائلة على كؤوس الشاي ليضحكوا أمام شاشة التلفزيون حين يشاهدون مسلسلاً كوميدياً ما.
تحاول ربة المنزل ريما (33 عاماً) “التفكير مليّاً بعد سؤالي: ما الذي يشعرك اليوم بالأمان؟ لتجاوب: “أعتقد أن الأمان اليوم بات خياليّاً، فإعادة هذه الصور في ذاكرتي مع العائلة بعد سفرهم وتفرّقنا ربّما هو سببي الأوّل بالشعور به”
- حبٌّ يطغى على السنين الأخيرة:
تقترب هلا (28 عاما) خرّيجة الأدب الفرنسي من زوجها لتحضنه فيقبّلها على جبينها ثمّ تقول: “هو السبب الذي أعيش من أجله طوال هذه المدّة، فلولاه لما تجاوزنا صعوبات الحرب بعد تهجيرنا من مدينة حلب، حيث أعتبر زوجي زاوية الأمان التي ألجأ لها والحاضرة دائماً عند حاجتي لها”
وكان الحال ذاته بالنسبة لعامر زوجها، خريج معهد اتصالات، حيث يعمل الشاب الثلاثيني اليوم في مدينة طرطوس ” كسائق تكسي ” محاولاً تأمين احتياجاتهم المعيشيّة حسب وصفه.
- الابتسامة المطمئنة:
تنتشر المقولات عن خوف الرجل وبكائه، مايعتبره البعض عيباً ومذلّة له، لكن بالنسبة لمحمد (23 عاما) لا يرى إظهار المشاعر هو طبعٌ أنثويّ، فالذي حصل في الحرب السوريّة لا يحتمله أيّ كان.
ويضيف طالب ميكاترونيك: “يبقى البكاء هو الفعل الوحيد الذي استطعت فعله بعد موت أخي في معركة حلب، ما هو الأمان الذي أستطيع الشعور به اليوم! الخوف لا يتعلق بالقتل فقط بل يتعلق بالمستقبل وبتأمين الاحتياجات المنزليّة وبفقدان قريب ما إذا لم تستطع تأمين الدواء له، الأمان الوحيد الذي أشعر به اليوم ربما هو حضن والدتي وصوتها الصباحيّ بعد استيقاظي”.
- ماذا عن النقود؟
بالنسبة لموظف شركة الكهرباء مازن (40 عاماً) فإنّ العمل في مؤسّسة حكوميّة هو حزام الأمان الذي يحميه من الأزمة الاقتصادية التي يضجّ بها البلد، حيث يستلم الموظف مستحقاته من عمله خلال الشهر وحتّى بعد التقاعد حسب قوله.
يتابع: “النقود هي ملجئي اليوم من مخاوف الفقر التي رأيتها في شوارعنا بعد هذه السنين، أفكّر أحياناً كيف كان سيتعلّم أطفالي وينامون في أسرّتهم ويحتضنون في عائلتهم، فكان راتبنا الشهريّ أنا وزوجتي جيداً لا بأس به في ظل وضع البلد خلال السنين الأخيرة”.
اليوم من تبقّى منّا في سوريا يركض ضائعاً بين أزقّة البلد ليبحث عن سرير الأمان الذي يختاره شعوره له، فيتغذّى على الدفء والطمأنينة من خلال شخص أو موسيقا أو حتّى صورة كان قد علّقها على جدار ذاكرته.