شابة سورية في خان أسعد باشا بدمشق/ شباك سوري
article comment count is: 0

المغتصبات ضحايا القانون السوري

“لا جريمة ولا عقوبة بدون نص قانوني”، مبدأ فقهي وضعه المشرع السوري نصب عينه أثناء صياغته للعقوبات و التشريعات، ولكن ماذا عن جريمة تأخذ القانون وسيلة لاستمرار فعلها؛ وكيف هو حال عقوبة بمثابة المكافأة لتبرير تكرارها؟!.

وإذا كنا نتحدث هنا بشكل محدد؛ فنحن نسلط الضوء على جرم الاغتصاب في القانون السوري، الذي يعطي الحق لمرتكب الجريمة بقيامه فعلته باسم القانون، معللاً ذلك بالبيئة الاجتماعية، ومتخذاً من الدين ذراعاً قويةً للتصدي لكل نقد.

صدمة أنثوية

“أكيد ما كنت رح أرضى يرجع يعمل معي نفس يلي عملو، و ياخد مني كل شي بدو ياه، بدون ما أقدر اصرخ أو أشتم أو حتى هدد، لأن كان حيصير زوجي بحسب القانون”.

تصف بشرى سبب رفضها للإفصاح عن جريمة قام بها أحد ذكور قريتها، مضيفة: “كنت مفكرة إنو بس خلص بكالوريا وانزل على الجامعة رح صير قادرة حاسبو و آخد حقي، بس كانت الصدمة إني بس كبرت وسألت؛ خبروني إنو صعب آخد حقي ورح يبقى إحساسي بالعجز هو الشي المرافقني دائماً”.

بشرى إحدى ضحايا الاغتصاب، وإذا صح التعبير إحدى ضحايا المادة 489 من قانون العقوبات، هي مهندسة زراعية، تعيش اليوم في السويد بعد أن رفض حبيبها الارتباط بها عندما صارحته بما وقع عليها؛ وكان خيارها ترك هذه البقعة الجغرافية التي تحمي وتدافع عن المجرمين بذريعة القانون والتقاليد.

جريمة اغتصاب مشروطة

وفيما لو ذهبنا إلى مكان أعمق من مجرد فكرة تزويج المغتصب لضحيته، فإن شروط تسمية هذا الفعل جريمة اغتصاب؛ أمر ينتقص من حقوق الإنسان بالدرجة الأولى، ويأتي على رأس هذه الشروط :

“لا تقوم جريمة الاغتصاب، بما فيها اغتصاب القاصر، إلا بالوطء الطبيعي، أما الوطء غير الطبيعي فلا يتحقق به الاغتصاب”.

تطول قائمة شرح التفاصيل التي تعتبر بمثابة نقاط سلبية في القانون المجرّم للاغتصاب، ما يجعلنا نذهب إلى مكان يضعنا أمام الكثير من الاستفسارات حول أسباب عدم تعديل هذه المادة وتطويرها بما يتناسب حقيقة مع العقوبة التي يجب أن تتخذ بناء على هذا الفعل؛ ومع كل التطورات المرافقة لما يحدث في مجتمعاتنا سواء السورية أو العربية.

ففي حين مازلنا نحن كسوريات نناضل من أجل تعديل قانون بديهي كالاغتصاب، تذهب المدافعات عن حقوق المرأة والإنسان ككل إلى أبعد من ذلك؛ لبنان الذي أسقط المادة 522 من قانونه، وحرّم المغتصب الزواج من ضحيته، إلى تونس التي تأخذ فيها اليوم المرأة كامل حقوقها المدنية.

“لمى علي”، الصحفية في جريدة تشرين السورية؛ والتي كتبت تقريراً مفصلاً عن قانون الاغتصاب، ترجع أسباب عدم التغيير إلى الخوف من المجتمع وإلى الذهنية المجتمعية التي تعتبر شرف المرأة وعِرضها، كما سماه القانون، خطاً أحمراً لا يجوز الحديث عنه أو النقاش فيه.

وإذا كنا نحمل مسؤولية تغيير الذهنية المجتمعية على النسويات ومنظمات العمل المدني؛ فكيف لهذه الكيانات، التي مازالت إلى اليوم، عاجزة عن الحصول على اعتراف قانوني بوجودها بموجب ترخيص رسمي، يضمنه قانون جمعيات، كيف لها أن تحمي المستضعفات وتطالب بحقوقهن؟!.

“نحن عم نعمل كل شي بنقدر عليه وضمن إمكانياتنا لحتى نعدل القوانين، بس كيف بيقدر حدا ما بيملك أوراق رسمية يطالب بتعديل قوانين ويعمل مناصرة وحشد للتأثير” توضح ذلك رجاء طنجور المدافعة عن حقوق المرأة عبر عضويتها بعدد من المنظمات النسوية.

المحامية منار؛ والتي بحثت القوانين التمييزية ضد المرأة في القانون السوري خلال رسالتها للماجستير بجامعة دمشق، تعزي عدم التغيير إلى تراخي المشرع فيما يخص قوانين العقوبات، وغياب النظرة العلمانية، وسيطرة الدين الإسلامي على قانون الأحوال الشخصية، بالإضافة إلى تراخي الناس في المطالبة بالتعديل لاعتبارهم هذه القوانين جزئية وغير مهمة مقارنة فيما يعيشونه حالياً من غياب للعدالة في مفاصل حياتية أكثر ضرراً عليهم.

إن الإشكالية الجدلية بين القانون والعادات والمفاهيم الاجتماعية؛ تنظم الموضوع المتعلق بتعديل القوانين الجرمية التي تمثل لدى البعض انعكاساً لرغبة المجتمع وقواعده، فيما يعتبرها البعض الآخر أداة لتعديل هذه القواعد عبر استخدام القوة الإجبارية للقانون.

ليبقى موضوع التغيير في قوانين الأحوال الشخصية والجنسية؛ خارج دائرة القواعد الاجتماعية، متعلقاً بإرادة سياسية، تميل إلى إرضاء المؤسسة الدينية، في وقت ليس بمناسب لفتح جبهات كبيرة فقط لتأخذ فيه جبهات صغيرة حقوقها ومطالبها!.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً