“الركض وراء الظرافة المفقودة”، ربما تختزل هذه الجملة واقع العديد من البرامج السورية التي تحاول أن تحجز لنفسها اسماً في عالم البرامج الحوارية (Talk Show). فما هي العقبات التي تحول دون انجذاب فئة “الشباب العنيد” إلى هذه البرامج؟ ولماذا لا تزال تشكِّل البرامج غير المحلية متنفساً لهذه الشريحة من المتابعين؟
منذ فترة ليست بعيدة، يعطي الإعلام المحلي إيحاءً بأنه يعمل على إيجاد قواسم مشتركة جديدة مع جمهوره المفترض، مدفوعاً إلى ذلك – ربما- بحالة التراجع التي تصيب الجسم الإعلامي في سوريا منذ فترة طويلة. وعلى ما يبدو كان الميل إلى إحداث برامج Talk Show محلية واحداً من الحلول المفترضة لهذه المشكلة، غير أنه وتبعاً لآراء الشارع السوري، لا يبدو أن هذا النوع من البرامج قد نفع في إحداث نقطة تحول وانعطاف في مسار الإعلام المحلي.
في هذا الإطار، لا ترى رانيا عوّاد (الطالبة في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بدمشق) أن مشكلة هذا النوع من البرامج هي مشكلة سورية فقط، بل هي مشكلة عربية أيضاً: “إذا أردنا أن نحصي هذه البرامج على الشاشات العربية فإن نسبة ضئيلة جداً منها هي برامج معدّة بطريقة تجتذب الجمهور المحلي، أما الأغلبية الساحقة منها فإنها مستنسخة استنساخاً ومستوردة عن برامج عالمية شهيرة”، وتعلل عوّاد: “هذا ما يضع حاجزاً أولياً بيني وبين البرنامج، وإذا أضفنا إلى ذلك مجموعة الضوابط المفروضة على عدد كبير من المواضيع التي لا يتطرق إليها الإعلام المحلي، يصبح البرنامج المستورد في نسخته المحلية عبارة عن “تعباية هوا” لا أكثر”.
بدوره، يؤكد يزن (العامل سابقاً في فريق أحد البرامج المحلية)، أن جذر المشكلة يكمن تحديداً في درجة الاستخفاف بوعي المشاهد السوري: “لم نعد أولئك المشاهدين الجاهزين لتلقي كل ما يعرض على الشاشة، فجمهور اليوم لديه ثقافة واسعة واطلاع كبير على ما يتم إنتاجه في الدول الأخرى، وبرأيي ينبغي على المسؤولين في المجال الإعلامي أن يسألوا أنفسهم سؤالاً واحداً: كيف يمكننا أن نجتذب شاباً سورياً يمكنه أن يفتح حاسبه المحمّول ويتابع إنتاجاً ضخماً من نمط Game of Thrones وغيره ليتابع برنامجاً سورياً؟”، ويرفض يزن إرجاع المشكلة إلى الجانب الإنتاجي المالي فقط: “بالتأكيد هذا الجانب مؤثر، لكن السؤال الأكثر أهمية، أليس بإمكاننا إيجاد برامج أكثر جاذبية ضمن إطار المصاريف التي تنفق على البرامج الحالية؟ برأيي بلى، لكن المسألة تحتاج إلى بذل جهود حقيقية في الإطار الإعدادي لهذه البرامج”.
في المقابل، لا توافق إنانا الخليل (31 عاماً) على أن الجمهور السوري يتخذ موقفاً مسبقاً من إعلامه، لأن “هذا النوع من البرامج أخذ فرصته أكثر من مرة، وأنا كمشاهدة ليس مطلوباً مني أن أقدّم الفرص، بل المطلوب من الإعلام أن يفرض نفسه وكفاءته. فأين القضايا التي تعنيني وتعني الشارع السوري في هذه البرامج؟ المشكلة ليست في الـTalk Show فقط، بل في غالبية البرامج السورية التي تفقد العفوية في غالب الأحيان فقداناً تاماً، فيبدو البرنامج متفق عليه مع الضيوف مسبقاً بما في ذلك الأسئلة والدعابات وما سيجري من أحداث خلاله، وليست المشكلة في أنهم يعدّون ذلك مسبقاً، بل في أنني كمتابع ينبغي ألا أشعر بذلك..!”.
إلى ذلك، يشير عماد الكفري، خريج قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة بدمشق، إلى أن واحدة من أبرز التحديات التي تواجه صنّاع برامج الـTalk Show اليوم تتمثل في نجومية المذيعين، “الحالة السائدة اليوم هي استسهال الاعتماد على نجومية أحد نجوم الدراما السورية لجذب الجمهور لمتابعة البرامج الحوارية، أما القاعدة التي ينبغي العمل عليها هي أن تفتح مساحة عمل واسعة أمام المذيع السوري، وبسقوف رقابية عالية، تسمح له بالتحول إلى نجم، كما هي الحالة في الدول التي نستورد منها هذه البرامج حيث هنالك احتمالية ليس لأن يتحول المذيع إلى نجم فقط، بل في أحيان كثيرة يستطيع هذا المذيع أن يتحول إلى قائد رأي بكل معنى الكلمة”، ويتابع الكفري: “غياب هذه الحالة في سوريا ليس سببها ضعف المذيعين لدينا، بل السقوف الرقابية التي تجبر الجسم الإعلامي السوري على أن يلعب تحتها غالباً وفي ظل هوامشها الضيقة”.