أحلام الطفولة لم تجد طريقها إلى “تغريد سليمان” البالغة من العمر 17 عاماً التي أجبرت على تحمل مسؤوليات أكبر منها بعد وفاة أبويها في حادث مروري قبل خمس سنوات، وانتقالها مع أخوتها الثلاثة للعيش في بيت عمها في مدينة الحسكة.
الظروف المعيشية دفعت بعم تغريد المنحدرة من “دير الزور” إلى زجها في حياة تكبرها بكثير، فالفقر والجهل أمور ساهمت في تزويجه لابنة شقيقه، الأم لطفلين والتي تعاني من مشاكل صحية منذ أول يوم لزفافها .
تتابع تغريد حكايتها، وهي تجدل ضفائر شقيقتها الصغرى بعد أن تكفلت هي وزوجها برعاية أخوتها حتى وصولهم لبر الأمان كما تقول: “أتحمل فوق طاقتي كي لا تعاني شقيقتي ما عانيته أنا، وأجهد في رعايتها مع أخوتي وطفلي لينعموا بمستقبل جيد”.
تغريد ليست الوحيدة التي دمر الزواج طفولتها، فتهاني ابنة الـ18 ربيعاً، المهجرة من مدينة حمص، كانت هي وشقيقتها التوأم أماني ضحية ضغط والدهما “خليل” المتعاطي لمادة الحشيش والكحول، بعد تزويج أماني لرجل ثلاثيني من مدينة دير الزور لقاء 500 ألف ليرة سورية، قبضها كمهر، دسه في جيوبه قبل سبع سنوات.
تضيف تهاني التي تعيش حالياً في مدينة القامشلي: “منعنا والدي حينها من إتمام دراستنا الإبتدائية، مستغلاً طلاق والدتي وزواجها من آخر، وباع أختي الوحيدة التي انقطعت أخبارها عنا من حينها، وزوجني أنا الأخرى من شقيق زوجته الجديدة، عانيت من مشاكل جمة مع زوجي الذي كان ينعتني بالحمقاء والغبية والمجنونة، اليوم أنا مطلقة وأم لثلاثة أطفال”
وعن المخاطر الصحية لزواج القاصرات يتحدث نظام طاهر أخصائي الأطفال: “الولادة في سن مبكرة أشبه بكثير بالولادة في سن اليأس بالنسبة للمرأة، حيث تسبب ارتفاعاً في ضغط الدم ومشاكل في الرحم وتخلفاً عقلياً للطفل أو تشوهاً نتيجة عدم اكتمال جسمه”
مبيناً أن هذه المشاكل الطبية المباشرة قد تستمر إلى فترة ما بعد الحمل والولادة وتسهم في مضاعفة احتمالية وفاة الطفل الرضيع في السنة الأولى من عمره، بما يعرف بوفاة المهد، وقد تؤثر على صحة الأم المستقبلية بزيادة تعرضها للأمراض المزمنة الشائعة كارتفاع الضغط والسكري.
أما العواقب النفسية، فيؤكد اختصاصي علم النفس د.ماجد فهيم أن الزواج القسري أو الزواج المبكر يشكل اضطراباً حقيقياً في شخصية الزوجة والأم القاصر، فسلخها عن عائلتها وقربها من عائلة أخرى قد يؤدي إلى الاكتئاب والقلق والتوتر وعدم الاستقرار العاطفي، خصوصاً إذا ترافق مع حمل مبكر.
وتتعدد دوافع الزواج المبكر والزواج بالإكراه في بلد أنهكته الحرب والتي يرجعها جمال الحاج، الأخصائي في علم الاجتماع، إلى رواسب العادات والتقاليد والثقافة السائدة في المجتمع، وغياب المستوى الفكري و التعليمي وغلاء المعيشة لا سيما في الأرياف، فيزوجونها شرط أن يتم توثيق الزواج بعقد قانوني بمجرد أن تبلغ الفتاة السن القانونية.
وأطلقت لجنة الشباب والرياضة الصيف الماضي في مدينة القامشلي حملة “لا لزواج القاصرات” شاركت فيها شابات من مختلف بلدات وريف المدينة، في محاولة لكبح انتشار الظاهرة في المجتمع، والتي تعتبرها الناشطة الحقوقية هدى جميل انتهاكاً لحقوق الإنسان وللمبادئ الأساسية للصحة الإنجابية، والقدرة الجسدية على الحمل والولادة الطبيعية، وعلى اتخاذ القرار بتحمل مسؤولية رعاية الطفل من الناحيتين النفسية والاجتماعية.
وتوضح الحقوقية أن أغلب عقود الزواج، التي تتم على قاصرات؛ تجري خارج المحكمة، ويكون مثل هذا الزواج قصير الأجل، وهو ليس سوى غطاء قانونياً للاستغلال الجنسي، ويأتي أخيراً عجز التعديلات التي طرأت على قانون الأحوال الشخصية الخاص بالمرأة ورفعها سن الزواج إلى 18 عاماُ لكبح جماح هذه الآفة في ظل وجود ثغرات في القانون تجيز زواج من هم دون 18 عام من جهة، وغياب قانون يمنع زواج العرف من جهة ثانية، وبلغة الأرقام نوهت إلى أن نسبة زواج القاصرات في سوريا تجاوزت الـ 30 % عام 2017، بينما كانت النسبة قبل الحرب لم تتجاوز 7 %.