في قلب معظم العلاقات العاطفية، ثمّة زاوية معتمة تحاول أطراف العلاقة تجنبها دوماً. وبصرف النظر عن طبيعة العلاقة ومستوى متانتها، يبقى الشغل الشاغل لأطرافها هو التفكير مطولاً في طرق وأساليب اتقاء شر تلك الزاوية المظلمة المعروفة بـ”الروتين”، فكيف يقضي “المرتبطون” في دمشق أوقاتهم بعيداً عن الرتابة والتكرار التي غالباً ما تشكّل مقتلاً للعلاقة؟
الإجابة الأولى التي تحضر في بال لمى زين الدين (الطالبة في السنة الثالثة في كلية الصيدلة بدمشق) هي المقاهي: “في الأوقات التي لا نكون ملزمين فيها بالتحضير للامتحانات أو حضور الدروس العملية التطبيقية، غالباً ما نقضي الوقت في المقاهي. وكسر الروتين بالنسبة لنا لا يتجاوز حدود تغيير المقهى الذي اعتدنا أن نجلس فيه كل فترة، أو تنويع الأشخاص الذين ندعوهم لمشاركتنا، لكننا في ظل الظروف الصعبة مادياً، نبقى محكومين بتلك المقاهي التي تتناسب مع القدرات المادية للطلاب الجامعيين”. أما زميلتها، ياسمين فتيان، فتفضل الأنشطة التي لها طابع جماعي: “أتابع دائماً عروض الرحلات في الجامعة وخارجها، وكلما سنحت لنا الفرصة أشترك أنا وصديقي فيها. في هذا النوع من النشاطات نشعر ببعض التجديد الذي يكسر رتابة العلاقة وتكرار تفاصيلها بما يناسب وضعنا”.
في المقابل، يترصّد وائل مغربل (26 عاماً) وصديقته معظم المناسبات الفنية التي تجري في العاصمة: “نتابع إعلانات العروض الفنية الجديدة، وبشكلٍ خاص نشاطات المسارح ودار الأوبرا، لكن هذه العروض باتت تحكمها فترة الموسم، حيث هنالك عدد محدود من الأشهر التي تحمل عروضاً جديدة، وكذلك، فإن ترصّد الأعمال الفنية المهمة هو عملية صعبة بعض الشيء، ذلك أن معظم العروض هي دون المستوى المطلوب، لهذا نحن بحاجة إلى البحث مطولاً عن تلك الخيارات التي ننجذب إليها”، بدورها، ترى صديقته سنا أن “الروتين جزءاً لا يمكن تلافيه في أية علاقة، بل يحتاج إلى أفكار إبداعية تسمح بالابتعاد عنه قليلاً. منذ فترة مثلاً، وجدنا أن هنالك ضرورة لبعض التجديد في علاقتنا، فاقترحت على وائل أن نشترك في دورة موسيقية لتعليم الصولفيج، وسارت الأمور كما كنا نتوقع، حيث سمحت لنا هذه الدورة أن نربط المتعة بالفائدة، وان نتعرف على أصدقاء جدد، ونستفيد من هامش العلاقات الاجتماعية الواسعة التي يتيحها هذا النوع من الدورات، ذلك عدا عن أننا لا نشعر بمرور الوقت كثيراً حينما نتدرب على آلاتنا سوية”.
في السياق ذاته، يعتقد نضال حلبو، الشاب الموظف في وزارة السياحة، أنه يملك “الحل السحري للقضاء على الروتين”، يقول ممازحاً: “أنا لا أسمح لصديقتي بالملل إطلاقاً، فمستشعراتي قوية، وبمجرد إحساسي أن مللاً ما قد أصابها أقوم بتحميل سلسلة أفلام أو مسلسلات جديدة. هذا يضمن لنا أسبوعاً على أقل تقدير من المتعة والتجديد. وفي الحقيقة، لا أنا ولا هي من النوع الذي يفضل الخروج كثيراً، لذلك فإن الحل بالنسبة لنا هو الاستفادة من الأفلام والمسلسلات والعروض الكوميدية المتاحة على الإنترنت، أما إذا شعرنا بالملل فبالإمكان الخروج مرة واحدة أسبوعياً إما للتسوق أو إلى أحد المقاهي مع الأصدقاء”، ويعقب: “أعتقد أن الألعاب الجماعية في السهرات مع الأصدقاء يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في الابتعاد عن الملل، وتحديداً الألعاب التفاعلية المرتبطة بالأغاني والمسلسلات وألعاب الصراحة وما شابه ذلك”.
إلى ذلك، تجزم نادين (32 عاماً، تعمل في مجال الترجمة) أن أفضل الحلول لكسر النمطية في العلاقات هو التعرف على أماكن جديدة: “أذكر أنني قبل الحرب كنت أفضل السفر مع صديقي إلى مناطق بعيدة في المحافظات التي لم أكوِّن فكرة عنها بعد. ذلك كان يشكّل متعة من نوعٍ خاص وفريد. أعتقد أنه يجب علينا الآن التفكير بشيء مشابه في ظل تراجع بعض التعقيدات التي رافقت الحرب. لكن هذا يحتاج إلى بعض الإقدام، حيث أميل إلى أننا لم نكسر بعد كل مخاوفنا التي كوّناها خلال سنين الحرب”. أما عن المعيقات التي لا تزال تكبح هذا التوجه، فتضيف نادين: “هنالك تشجيعٌ ينبغي أن تقوم به الجهات المعنية في البلاد لظاهرة السياحة الداخلية، مثل موضوع ضبط الأسعار، ولا سيما تكاليف المواصلات والمقاصف، حيث لا تزال تشكل عبئاً على أغلبية الشباب ممن هم في مثل عمري حتى الآن”.