"يحاول الكثير من الشباب السوريّ اليوم الخروج من الحلقات الاجتماعيّة التقليديّة بطرقٍ قد تفشل أحياناً" شباك سوري
article comment count is: 0

الاستقلالية: انفصالٌ عن العرف أم حق؟

تعتبر عائلة والدي اليوم من العوائل النادرة في القرية التي استطاعت إكمال تعليمها وسط الفقر وقلّة الوعي الذي كان يجترّ الأرياف في طرطوس قديماً، يحدّثني عن جدّي الذي أصرّ على انتقال أولاده إلى المدينة لمتابعة صفوفهم التعليميّة حيث انعدمت المدارس في المنطقة التي عاشوا بها، ويخبرني باستقلاله الذي بدأ منذ دخوله صف السابع حتّى تخرّجه من كليّة علم النفس في جامعة دمشق. ومقارنةً بشباب اليوم لم تعد الاستقلاليّة عن منزل العائلة نتيجةً لطلب العلم فقط، فانفتاحنا على العالم،  وازدياد رغباتنا بتقرير مصيرنا وحدنا، وانحصارنا في دائرة “تحمّل المسؤوليّة”، وطلب العمل بسبب الأوضاع الماديّة الراهنة؛ باتت جميعها أسباباً نختارها لإغلاق باب المنزل و البدء في حياةٍ جديدة نخنارها نحن بقدر ما استطعنا.

إذاً هل نحن كشباب نحتاج هذه الاستقلاليّة؟

برأي علي (23 عاماً) طالب الاقتصاد في طرطوس: “إنّ الإلحاح الدائم على القيام بأمور يُجبر البعض عليها والمراقبة المستمرّة عند الخروج والعودة من وإلى المنزل، والخوف المبالغ من الأهل، أو لجوء غالبيّة العائلات المهجّرة لاستئجار منازلٍ صغيرة لا تعطي للشاب حريّته الخاصّة ضمن غرفة قد يشاركها مع أخواته لارتفاع الأسعار؛ تعدُّ أسباباً محقّة للشباب كي يختاروا هذا الطريق.

يكمل الشاب العشريني: “الاستقلاليّة هي ملجأ للهروب من المسؤوليّات الماديّة والعاطفيّة من أهلي، وعند توافر الظروف الماديّة الجيّدة سأخرج من المنزل وأبدأ بحياة جديدة لوحدي”.

يُكمِلُ مجد اليوم عامه الثاني عشر خارج منزل العائلة في مدينة اللاذقيّة منذ اختياره دراسة الهندسة التي لم يتخرّج منها حتّى اليوم لانشغاله بالعمل كي يستطيع دفع نفقات المعيشة، حيث توقّف عن “أخذ مصروفه” حسب قوله منذ مدّة بعيدة لضيق أحوال أهله، ونتج عن ذلك محاولاته في السفر خارج البلاد بعد استنفاذه سنوات الدراسة وانقطاعه عنها. ويضيف: “الاستقلاليّة ضرورة لكلّ شاب لكن علينا أوّلاً حساب ما قد ينتج عنها، ها أنا اليوم بدأت حياتي بالفشل لرغبتي الطفوليّة بإثبات قدرتي على تحمّل المسؤوليّة!”.

إذا كانت الأسباب الماديّة تعتبر معوّقات بالنسبة للذكور من الشباب؛ فالأسباب جميعها التي تنحصر في هذا الموضوع تعيق الإناث بسبب العرف الاجتماعيّ الذي يجبرها على الخروج من بيت أهلها إلى بيت زوجها فقط، أو ربّما قد يسمح لها بالعيش في مدينةٍ ثانية حتّى تنهي تعليمها الجامعيّ.

تالا (27 عاماً) خريجة معهد التمريض؛ عانت خلال شبابها من “التعصّب الذي انصبّ عليها من محيطها وبداية عائلتها”، ولم تستطع حقاً الاستقلال عن أهلها إلّا بالزواج، فانتظرت حتّى وجدت الشاب الذي سيخرجها من هذا السجن لتتحرر بحسب وصفها، وتضيف: “ربّما حالفني الحظ بزوجي الذي لم يشعرني للحظة أنّ الفتاة ليست لبيت زوجها فقط، لكن انظري للفتيات اليوم اللواتي يعانين بسبب آراء المجتمع حول هذا الموضوع، فإن لم يسجن الأهل بناتهم؛ فالمذمّة ستلحق أهلهن بلا شك، وهيك هيك البنت مارح تخلص !” .

وعلى الجانب الآخر من هذا الموضوع تواصلت مع صديقتي التي كانت دائماً ما تحدّثني عن والدها وأرائه، التي أعجبت بها، بما يخصّ مواضيع الشباب ورغباتهم التي يعتبرها محقّة وتحتاج للاهتمام كي يتجنبوا دوائر الفشل والشك، حين فتح لي الباب شعرت بالراحة التي تعتلي جبينه فوق عينيه المحصنتين بنظّارته الطبيّة رغم نصف قرنه الذي مضى في التعب والعمل على تربية أولاده وحيداً بعد وفاة زوجته.

لم أذكر متى وكيف بدأ نقاشنا ولكن نصف الساعة التي جعلتني أصمت بكلّ رضاي أعادتني إلى منزلي بكلّ طاقتي لأكتب ما قاله لي، فبالنسبة “لعمو رضوان” أنّ الاستقلاليّة يجب أن تكون مرحلة مثلها مثل غيرها من الحياة، فإن توقف الشاب عن الدراسة بعد الثانويّة العامّة مثلاً سيحذف من حياته مرحلته الجامعيّة. وبالنسبة للمشكلة التي تواجه الشباب السوريّ اليوم يقول: “ليست المشكلة الماديّة وحدها لكن مشكلة قلّة الوعي والسؤال الذاتيّ لنفسنا عن سبب هذا الخروج من كنف العائلة سيجاوبنا ويساعدنا لنقنع أهلنا لما نريد الانفصال عنهم، الأهل أنانيّون نعم.. ولكن خوفهم أكبر على أولادهم عندما تكون رغباتهم غير واضحة الأسباب، مثلها مثل أهدافهم، لذلك عندما يريد ابننا الانفصال عنّا لنناقشه ثمّ نساعده وندعمه”.

بينما بدأ المجتمع السوريّ يعاني من مشكلة أخلاقيّة كبيرة، بالنسبة لآبائنا، فيما يخصّ الأعراف التقليديّة والآراء الشبابيّة الجديدة التي ينمّ معظمها عن رغباتٍ غير مدروسة في غالب الأحيان؛ يحاول الكثير من الشباب السوريّ اليوم الخروج من الحلقات الاجتماعيّة التقليديّة بطرقٍ قد تفشل أحياناً، أو تكون بعيدة عن إقناع الآخر، فحين أصبحت أولويّات حياتنا ماديّة رغبةً بالولوج إلى الراحة النفسيّة، معلّقين على حدودٍ تفصل بين رغباتنا وقلّة وعينا بالطريقة المناسبة للوصول لها؛ لم نلقَ نصائح تدلّنا على الطرق الأمثل للبدء بحياةٍ جديدة نكون فيها الأولى بتقرير ما نريد بحيث يتشاطر الأهل والابن الراحة والرضا بأقلّ الأضرار الممكنة.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً