برز وجه بيان مبتسماً و متصبباً بالعرق من تعب العمل تحت أشعة الشمس الحارقة التي سبت منها ملامح أنوثة انغمست بالشحم وهي تستبدل إحدى عجلات السيارات.
لم تتردد الشابة اليافعة في ممارسة مهنة الميكانيك التي تشربتها منذ طفولتها من والدها، ولم تفكر في القيود الاجتماعية التي قد تواجهها، وقررت مساعدة أبيها في الورشة التي افتتحها في مخيم الشهباء بمدينة عفرين.
باتت بيان مطالَبة بإعالة عائلتها المؤلفة من ثمانية أشخاص بعد نزوحها إلى المخيم جراء المعارك، وازداد عدد الزبائن يقصدون اللذين يقصدونها لثقتهم في عملها.
“سيلفا أحمد” أنموذج عن نساء حديديات حاولن إلغاء الحصرية الذكورية في بعض المهن، فهي قد تحدت العضلات وقوة البيان جائبة شوارع مدينة “عامودا” في الحكسة بمركبتها الكبيرة “التريكس”.
لم تقف الظروف والعادات في وجه رغبتها الجامحة لتخفيف عبء العمل عن كاهل والدها، فعملت إلى جانبه في تأمين حياة أسرتها ومصاريف دراسة شقيقاتها الثلاثة في الجامعة، لا سيما بعد استشهاد أخيها الوحيد في جبهات القتال ضد تنظيم داعش.
سيلفا تمردت على نظرات الاستغراب والدهشة لها وحولتها بعد إقبالها بشجاعة وتفان في عملها إلى نظرات احترام.
تتابع سردها لقصتها قائلة: “ساهم عملي في بناء شخصيتي، وأكسبني الكثير من الخبرة في العمل، ودربني على ضبط أعصابي لأن قيادة التريكس تلزمها خبرة وصبر وروية، لاسيما حين تعطب بنا المركبة وهو ما أضفى الهدوء في شخصيتي وتفكيري وحسن تصرفي وزادني ثقة بقدراتي”.
قيادة المركبة الكبيرة والعمل لساعات طويلة لن يجهضا تصميم سيلفا كما تؤكد في إتمام دراستها الثانوية، ووصولها لمرحلة الجامعة ونيل شهادة الإعلام والانتقال للعمل في ميادين الصحافة.
وحول دعم العائلة والأصدقاء لها تضيف: “والدي هو من علمني القيادة منذ كنت في التاسعة من عمري، وهو من شجعني على الاستمرار في العمل، وما أراه في عيون زملائي وأصدقائي وأساتذتي في المدرسة اليوم من فخر بعملي زادني إصراراً على مواصلة المسير، ورفع من معنوياتي، وفجر أمامي سيلاً من الطاقات التي تتولد يومياً”.
الجرأة النسائية لم تتوقف عند كل من بيان وسيلفا، فقد استطاعت الشابة سمور عبود (22 عاماً) العمل كنادلة في مطعم بمدينة الحسكة بعد فقدانها لوالدها معيل العائلة الوحيد إثر انفجار في سوق المدينة قبل ثلاث سنوات.
مع تزايد متطلبات الحياة وضغوطها المادية والنفسية ترى سمر التي رفضت التقاط صورة لها، أن عملها حفظ كرامتها وعائلتها من طلب المساعدة لا سيما من أقاربها أو انتظار منح الخيرين، فوجدت عملها أمراً طبيعياً لفتاة فقدت سند العائلة المؤلفة من أربع نساء.
وتضيف عبود على روايتها: “لم أفكر يوماً إن كان عملي هو عمل رجالي أو نسائي، لم اختره بمحض إرادتي، لكن ظروفي هي من فرضته علي، وأجده فرصتي لكسب رزقي وإعالة أسرتي، ومن خلاله حاولت كسر الحواجز بيني وبين مجتمعي”.
لكل عمل صعوباته، سمر تعمل في مطعم مكتظ بالرجال والشباب، وهي مجبرة على العمل لساعات طويلة، ولأوقات متأخرة في الليل لتوفر ثمن أجار البيت ودواء والدتها مريضة السكري، ومصاريف دراسة شقيقتيها “مرام ورهام”، تضيف: “تتجلى صعوبة عملي أكثر في حرماني من قضاء وقت كاف مع عائلتي، وخاصة أمي، وهذا يحز في نفسي كثيراً لا سيما في المناسبات والأعياد”.
تشير الشابة العشرينية إلى نظرة المجتمع السلبية لنساء دخلن سوق العمل بمهن رجالية، والتي بدأت تتغير نحو الأفضل، وبات الكثيرون يعترفون بقدرة المرأة على العمل في كافة المجالات، ماضية في طريقها نحو القضاء على ما يسمّى بالمهن الخاصة بالرجال، وللتأكيد على أن زمن تقسيم المهن حسب الجنس، تجاوزه العصر، وأصبح مرادفا للتخلف.
واقع الحرب الذي تشهده البلاد، وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية على كافة مجالات الحياة، دفع بالكثير من النساء إلى الخوض في مهن كانت حكراً على الرجال، وشكلن معاً ظاهرة بارزة بدأ مجتمعنا يلتمسها ويتقبلها شيئاً فشيئاً ولو بخطا خجولة لكنها سترتقي يوماً بعد يوم.
المرأة نصف المجتمع وتنجب وتربي النصف الآخر
يجب على المجتمع تشجيعها وتنمية قدرتها سواء بالتعليم او العمل وفرض قوانين تنصفها وتعطيها حقها كمواطن يقوم بواجباته ويجب أن يتمتع بحقوقه
عملت ووقفت بوجه التقاليد الباليه فاثبتت خطأ معتقداتهم وجدارة المرأة بالعمل حتى في المهن التي يعتقد البعض بأنها خاصه بالرجال