اثنا عشر شهراً من التعب والجهد والخوف المتواصل، لتحصيل رقم يحدد مصير الطالب والاختصاص الذي سيدرسه ويعمل به لبقية حياته، “البكالوريا” فترةٌ لا تخلو من الضغط النفسي والأرق والتوتر، ولكن “من طلب العلا سهر الليالي” وكل طالب غرس وسقى سيحصد ما زرعه.
“عبد الله الحمّود” كان طالباً من بين آلاف الطلاب الذين تقدموا للامتحانات، وقد حصّل مجموعاً يؤهله لدخولِ السنة التحضيرية للكليات الطبية الّتي كانت أمنية أهله وإلحاحهم الدائم، أما عن رغبته فأراد دراسة كُليةِ الهندسةِ المعماريّة، وكان هذا الحلم الّذي رسمه منذ أن بدأ دراسته في المرحلة الثانويّة.
احتار عبد الله عن ماهية الاختصاص الذي سيدرسه، فإذا اختار الكليات الطبية سيكون قد لبّى رغبةَ والديه وتخلى عن طموحاته، وإن أكمل سعيه الذي رسمه سوف يتسبب بنوع من خيبة الأمل والإحباط لهما.
لذلك قرر الشاب العشريني أن يروي لنا قصته التي تلخّص قصص الكثيرين وربما تكون مثالاً للآخرين، وأن يسرد لنا المشاكل التي واجهها وماذا فعل ليتخذ قراراً سيغير حياته إما للأفضل أو للأسوأ.
تحدث عبد الله بشغف عن حبّه للهندسة وولعه بالأشكال الهندسية والرسم: “من لما كنت صغير بحب الرسم وبالمرحلة الثانوية بلشت أرسم أكتر وحبيت طور مهارتي أكتر، وبنفس الوقت سمعت عن اختصاص العمارة وحبيتا، ودرست بكالوريا وحطيت هدفي إني أحصل على مجموع هالفرع، بس أهلي قالوا لي افترض أنو ما أنجح بفحص العمارة، لهيك حاول تحصد المجموع الأعلى وبوقتا بتقرر شو رح تدرس”
وعندما جاء وقت القرار، أخذ والداه بإقناعه للدخول في السنة التحضيرية بأنها الاختصاص الأفضل للشباب لضمان المستقبل، كان في البداية رافضاً للفكرة تماماً، وذهب للتسجيل في دورة ليتدرب من أجل فحص القبول لكلية الهندسة المعمارية، وقال: “أن حبه لهذا الاختصاص قد زاد لأن الفرصة قد أتيحت له لمعرفته أكثر والتعمّق فيه.”
لكنّ المشكلة الوحيدة أن أهله تابعوا المحاولة لجعله يحيد عن قراره ويدرس الاختصاص الذي اختاروه وأن يجعل الرسم كهواية يستخدمها في حياته لا أكثر، وقالوا له أنه ليس من الضروري دراسة الهندسة المعمارية لمجرّد أنك تحب الرسم.
تشوش تفكير عبد الله ولم يعلم كيف يتصرف حيال الموضوع، لكنه في النهاية خضع لقرار والديه وبدأ بدراسة السنة التحضيرية، لكنه كان غير مقتنعاً بما يفعله، وقال في نفسه: “ما بعرف إذا سجلت لأني اقتنعت بالفكرة تماماً ولا بس مشان أخلص من حكي الأهل”
وعلى الرغم من كل هذا، خضع عبد الله لفحص قبول كلية الهندسة المعمارية ونجح فيه، لكن الفرصة قد باغتته للالتحاق بالكلية، لأنه سبق والتحق بالسنة التحضيرية للكليات الطبية
ظل عبد الله يزور أصدقاءه في كلية الهندسة، وتعرّف على أشخاص جدد، وشعر بالندم الشديد لأنه لم يدرس الهندسة، لكنه تقبّل واقعه واهتم بدراسته الحالية.
بعد عام دراسي كامل، أدرك والداه أنه لم ينجح فيها لأنه دخلها عن دون قناعة، ولم يكن راضياً بما يدرسه، لذلك في السنة الثانية؛ نقل اختصاصه إلى “كلية الهندسة الطبية” والتي كانت قراره وحده دون تدخل أهله، وكان باختياره هذا قد جمع بين الطب والهندسة، ليحقق رغبته وأمنية والديه أيضاً.
قال لي عبد الله خاتماً قصته وموجّهاً كلامه لكل من يقع في حيرةٍ بين قراره وقرار أهله: “إن لم يكن الطالب مقتنعاً بقول أهله وقراراتهم، فمن الأفضل أن يكمل طريقه دون الالتفات إلى أحد، والأهم من كل شيء أن يلحق ما يحب حتى يحقق طموحاته، فالمهندس أو الاقتصادي الناجح أفضل بكثير من الطبيب الفاشل، لذلك عليكم بالبحث والتعمق في قراراتكم قبل اتخاذ أي خطوة، وأن تقتنعوا فيه تمام الاقتناع كي لا تهدروا الوقت والجهد على شيء لن يكون منه فائدة”
من حملة #ساعدوهن_يختاروا لدعم الأهل لأبنائهم في اختيار الاختصاص الجامعي عند تعبئة مفاضلة البكالوريا