أمست مشكلة الدعم الأهليّ لرغبات الشباب عائقاً يتوقّف عنده البعض، فنحن نرى نسباً متفاوتة من الشباب السوري الذي يحمل ما توارثه عن أهله من معتقداتٍ وأفكار، ولكن ماذا عن الشباب الذي فضّل رغباته التي تناقض القرارات المستقبلية لعائلته، والذي قرّر مسبقاً بأنّه فرد ذو بصمة خاصّة يقرّر ما يجده مناسباً له نتيجة تجاربه وقراءاته المستقبليّة.
تحاول مريم (18 عاماً) حتى اليوم ممارسة شغفها بالعزف على الغيتار وزيادة مهاراتها التقنيّة بالتعلّم الذاتيّ في المنزل، فاليوم تدرس معهد تقانة المعلومات نتيجة دراستها للثانويّة المهنيّة لتقانة المعلومات بناء على رغبة أهلها بعد حيازتها على شهادة التاسع الإعدادي، وبالنسبة لعائلتها لا شيء أهم من مواكبة تطوّرات هذا العصر التي تعدّ أهمّ من هواياتٍ لن تقدّم للشخص أكثر من متعةٍ مؤقتة حسب وصفهم، وتضيف: “لا أعتقد أنّ العزف كان يقتصر على هواية أشغل أوقات فراغي بها، ولكن بالنسبة لفتاةٍ تعيش في بيت أهلها كان الاعتراض قراراً لا أستطيع تحمّل نتيجته، وفي الوقت ذاته لم أستطع تغيير أفكار أهلي التي خُدّروا بها خلال زمن طويل”
اعتراض الأهل على رغبات أولادهم ليس صادماً في مجتمعنا، فالعقليّة العامّة التي تربوا عليها تحرّضهم على دحض الأفكار الشبابيّة في التغيير ورسم واقع متوازن، فيه الأطباء والمهندسون والفنانون والعمّال على كافّة المستويات والأنواع، فحين يدرس طالبٌ ما معهداً صناعياً، على سبيل المثال، لم تأتي دراسته نتيجة رغبةٍ تخصّه؛ وإنّما على ما قدّمت له علاماته، وفي الوقت نفسه يقدّم أهله تبريراتٍ مجتمعيّة كي يتجنّبوا نظرات العامّة التي تقيّم ذكاء هذا الطالب.
حاولت سمر (24 عاماً) طالبة الأدب الإنجليزي في الماضي، على عكس غالبيّة الشباب، تخفيف الحزن عن والدتها، فحين لم تستطع دراسة الفنون الجميلة أكاديميّاً سبّب هذا خوفاً كبيراً لأهلها لعدم قدرتها على اللحاق برغبتها، وكانت مفاجأة دعم أهلها الكبير لها حالةً نادرة بعض الشيء في مجتمعنا، وخلال حديثي مع والدتها بما يخصّ رغبات سمر الحياتيّة لاحظت استقرارها وثقتها بابنتها الوحيدة، فبالنسبة لها أنّ سمر شابّة لها القدرة العقليّة على تقرير رغباتها نتيجة ما ربّوها عليه مذ أن كانت طفلة حسب قولها، وأضافت: “حاولنا أنا وزوجي قدر الإمكان تطوير قدرة سمر على التفكير منذ الصغر، فأحياناً كنا نتفاجأ بنقاشاتها حين تعود من المدرسة حول موضوع فنيّ أو رأيها بلوحةٍ ما، ولذلك استطعنا وضع ثقتنا بها، وهي بالمقابل كانت تناقشنا بآرائها واختياراتها عندما لمست هذه الراحة المتبادلة”
- لماذا نواجه هذه المشكلة حتّى اليوم؟
لا نستطيع لوم الأهل وحدهم في هذا الخصوص ولا الأطفال على حدٍّ سواء، فالمشاكل التي نعاني منها في سوريا اليوم لا تخصّ الأفراد وحدهم، فحين تعيش عوائلٌ بأكملها الفقر على مرّ السنوات؛ لن يستطيعوا دعم الرغبات الفنيّة، على سبيل المثال، لأولادهم ذلك أنّ خوفهم من عيش أبنائهم الفقر الذي عاشوه سيدفعهم لمعارضة رغبةٍ ما لن تدرّ عليهم سوى بسعادةٍ لن تطعمهم رغيف الخبز بسبب الوضع العام في البلد، فالدعم الحقيقيّ لرغبات الشباب بشكلٍ عام لم يلقَ هذا الاهتمام في غالبيّة المدن السوريّة، وفي الوقت نفسه لم نتربى من الأساس على التفكير وتطوير هذه الميّزة العقليّة التي تميّزنا كبشر، فتعوّدنا على التخدير بكليشيهات ومقولات على مرّ الزمان جعلت من أهلنا خائفين علينا وجعلتنا حائرين لا نفقه سوى السؤال ” لمَ يحدث هذا لنا.. لنا نحن كسوريين!؟