“تسلم هالأنامل” لطالما سمع أحمد سعد السعدي هذه العبارة من أصدقائه وزملائه في كلية الصحافة والإعلام، لكن ليس لكتابته مادة صحافية أو تقريراً إخبارياً، بل لأنه أتمّ معزوفة على آلة العود التي لا تفارقه في الجلسات والجمعات مع رفاقه.
وفي الوقت الذي يحمل فيه أحمد حقيبة كبيرة تحوي آلته الموسيقية، يحمل رفاقه حقائب أصغر حجماً، تحتضنُ كاميراتهم أو حواسبهم المحمولة.
يقول الشاب العشريني: “لم أجد نفسي يوماً في ميدان الصحافة، وأتغيّب عن المحاضرات ولا أحفظ أسماء المواد أو الطلاب، وبالكاد أعرف مكان القاعات. أنا في هذه الكلية منذ أكثر من ست سنوات ولم أتخرّج بعد، لم تكن رغبتي”
حاز السعدي في امتحان الشهادة الثانوية على درجة تخوّله دخول معظم أقسام الفرع الأدبي، لكن رغبته كانت في دخول المعهد العالي للموسيقا، والتخصص في المجال الذي أحبه، والإكمال مع أوتار آلة العود التي عشقها.
” بعض الندم”
تقول والدته عبر الهاتف: “كنّا نعلم أنه يحب الموسيقا كثيراً، لكن اعتقدنا أن بإمكانه التخرّج من الجامعة، والتدرّب على آلته الموسيقية في أوقات الفراغ، ربما كنّا مخطئين”.
لا تُخفي الوالدة بعض الندم أثناء حديثها، ومع ذلك شدّدت على أهمية الشهادة الجامعية، وتضيف: “الشهادة في مجتمعنا ليست من أجل العمل فحسب، بل هي وثيقة حياة لمجابهة المجتمع، حين يريد أحمد الزواج، تخيّلوا أن نقول لذوي العروس أنه خريج معهد ولا يحمل شهادة جامعية، من سيقبل به حينها!”
مع ذلك، تصرّ أم أحمد على أن يتخرّج ابنها من الجامعة، وبعدها “فليفعل ما يشاء”.
تبرّر الوالدة: “لا نفعل في الحياة كلّ الأشياء التي نحبها، أحياناً نضطرّ لفعل بعض الأمور التي لا نفضلها، لكنها تعود بالنفع والفائدة على مستقبلنا، الحياة صعبة وتحتاج أحياناً لبعض العراك”
“شو بدك تطلعي بس تتخرّجي!”
لا يبدو النقاش الذي يعيشه الطالب أو الطالبة مع الأهل هو النقاش الوحيد إبّان النجاح في الثانوية العامة في سوريا، بل إن الصراع يمتدّ ليتجاوز الأهل، ويواجه الطالب أحيانا “مجتمعاً بأكمله”.
ففي الوقت الذي كانت ترغب فيه نورا العيد دخول كلية الصحافة والإعلام، اضطرّت تحت ضغط المجتمع الدخول لكلية الآداب باختصاص الأدب الانكليزي.
تصف نورا اختصاص اللغة الانكليزية بالسهل نسبياً، لكنه في النهاية ليس رغبتها، وتقول الشابة التي تبلغُ من العمر 20 سنة: “حين نجحت في امتحان البكالوريا، قالت لي والدتي أن اختار فرعاً ناعماً يلائم طبيعتي الأنثوية، وحين أخبرتهم أنني أريد دخول الصحافة، قالت لي أمي حرفيا مستهجنةً “شو بدك تطلعي بس تتخرجي! مذيعة؟!”
وترفضُ عائلة نورا قسم الصحافة والإعلام بشكل قطعي، وتقول والدتها: “الصحافة مهنة صعبة وفيها الكثير من المتاعب التي لا تلائم ابنتي، لقد تعبنا في تربيتها، وأتمنى أن تكون في مكان مريح وآمن، وبصراحة، أشعر أن بيئة الإعلام المختلطة لا تناسب عاداتنا وتقاليدنا”
تتابع نورا اليوم حياتها الجامعية بتفوق لحبها لاختصاصها، لكنها أكدت أنها كانت تفضل متابعة دراسة اللغة الانكليزية بشكل فردي أو عبر معاهد اللغة، لتكسب إلى جانبها شهادة جامعية تخوّلها أن تكون أكثر فاعلية في سوق العمل.
المحامي الرسام!
يشرح وليد (فضل عدم ذكر كنيته) أن الصراع يدور عادة بين الهواية التي يحبها الطالب، والمهنة التي يرغب بامتهانها في المستقبل، لكن الشاب العشريني استطاع التوفيق بينهما، وينوي وليد الذي نجح للتو في امتحان الشهادة الثانوية أن يسجل في كلية الحقوق، ويتابع هوايته في الرسم، وتلقي الدروس الاحترافية لذلك، يقول وليد (18 عاما): “توافقت مع والديّ أن أكمل في هوايتي، دون أن يتعارض ذلك مع دروسي في كلية الحقوق”، يتابع وليد متبسّماً وبنبرة واثقة: “أعتقد أنني سأكون المحامي الرسام”
من حملة شباك سوري #ساعدوهن_يختاروا