تعدّ مرحلة الانتقال من التعليم الثانوي إلى الجامعي مرحلةً مفصليةً بالنسبة للطلاب لما فيها من مستقبل كامل تُبنى عليه -نظرياً- كل المراحل الحياتية اللاحقة. فكيف يختار الطالب مجاله الأقرب؟ وماذا لو اكتشف لاحقاً أن اختياره لم يكن صائباً في مجتمع لا يُعطي للفرد مساحةً كافية من حرية الاختيار، لا سيما في مجال التعليم؟
تلفتنا في هذا الإطار قصةُ الطبيب الحلبي صلاح موصللي، والتي بدأت حين حاز على شهادة البكالوريا العلمي بمجموع يعادل 237/240. لم يكن لدى صلاح حينها المعطيات الكافية ليختار فرعه الأقرب إلى شغفه: “ما كنت بعرف الخيارات المتاحة يلي بتناسب شغفي، بسبب نقص التعريف بالفروع الجامعية يلي ممكن اختاره”
ولأننا نعيش في مجتمع يدّعي منح الخيارات نظرياً للطلاب، وهو في الواقع يفرض خياراً واحداً كما يصف صلاح، كان عليه اختيار فرع الطب البشري لأنه الأنسب إلى مجموعه. يقول الشاب العشريني أنه كان يستهوي الأدب والفلسفة، وخطط للسفر ودراسة العلوم السياسية أو الميكاترونيكس، لكنه لم يعلم كيف يمكن لمهن كتلك أن تطبق عملياً في مجتمعنا، كأنما الطريق غير الواضح يضع الطالب في حالة “ضياع” بحسب تعبيره.
فيما بعد وأثناء فترة دراسته الجامعية، تطوّع صلاح في منظمات تنموية، تعلّم خلالها أموراً مختلفة عن مجال الإدارة بشكل خاص، واستطاع أن يبني منظوراً متكاملاً عن مستقبلٍ مهني يلائم شغفه ويجمع الأمور التي يستهويها: “بلشت أميل باتجاه الإدارة، لأنو حسيت أنا كطبيب مارح أقدر أعمل الشي يلي بقدر أعمله بالإدارة”.
اختار صلاح إكمال مسيرة الطب التي بدأها، مدركاً أنها ليست المجال الذي سيمتهنه بعد التخرّج في الجامعة. وقد حاول أن يوافق بين مجال دراسته وشغفه في الإدارة والتنمية المجتمعية، كالتخصص بالطب النفسي مثلاً، لكنه أدرك أن الأمر يعدُّ تحايلاً على واقع شغفه.
تخرّج صلاح كطبيب بشري، واختار أن يستكمل مسيرته التعليمية في مجال إدارة الأعمال في الجامعة الافتراضية: “ساعدتني خبرتي يلي بنيتها بهاد المجال، وصح كان فيني أكمل شغلي وأستمر بهي الطريقة، بس أنا اخترت أتعلم الموضوع وأدرس العلم بهاد الفرع، لأنو هي حياتي المهنية يلي رح أكمل فيها..”
تعتبر خطوات جريئة كهذه قليلة في مجتمعنا بسبب ضغط المحيط على الخيارات الشخصية، لكن بالنسبة لصلاح، يخبرنا أن أهله لم يفرضوا عليه خيار الطب البشري في بداية الأمر، لكنهم فضّلوا متابعة مسيرته في الطب بعد إخبارهم عن ميوله الإدارية: “أكيد أهلي بهمهن أكون متخرّج وفيني أستفيد من شهادتي إذا لزم الأمر..”
وكان لأهله تصوّر آخر عن مستقبله، لكنهم أعطوه حقّه في استقلالية قراره بعد نقاشات مطوّلة، إلى أن تقبلوا الموضوع ودعموه في رحلته الجديدة.
أذكر قبيل فحصي حين زارتني شهلة، مسؤولتي في الكشاف، وأخبرتني أن “البكالوريا ليست نهاية العالم”، على عكس المعتقد الاجتماعي الذي يعتبر المرحلةَ الانتقاليةَ مصيريةً بشكل لا رجوع فيه، وكأنما أي خيار خاطئ له أن يشوّه مستقبل طالب، ولذلك دور الأهل يأتي عبر تقديم النصائح لأبنائهم تجاه الاختصاص الجامعي الأنسب لهم، وهو مانسعى إليه في حملة شباك سوري #ساعدوهن_يختاروا.
رحلةُ صلاح المثيرة في اختصاص هو الأطول بين الأفرع التعليمية، قد تساعد الطلاب على اختيار الفرع الأقرب إلى شغفهم وليس مجموعهم فقط، بل ويزيدهم علماً أن خيارهم الآن ليس الوحيد، فكما يقول صلاح: “الإنجاز بدّو شغف، والشغف ما بيجي إلّا لمّا الواحد يكون عم يعمل شي بحبّو..”
مشاركة بنّاءة وخاصة بهيك ايام…
شكراً جزيلاً لك
وأنا قصتي شبيهة ، باستثناء أني تركت الطب بالسنة الخامسة
لماذا عباس؟