ولعي القديم بالسينما وتعابير الوجوه في الطرقات نتج عنه الكثير من الأحلام، وما الأحلام إلّا صور نراها في خيالنا!.
أصبحت أحلامي لحظات أسجنها في مكتبة الذاكرة إلى جانب قراءة ومتابعة أغلب ما يتعلّق بتاريخ هذا الفن العظيم، فن الفوتوغراف، إلى أن حصلت على كاميرا كهديّة من أخي الغائب في المهجر لكي ألتقط ما تبقى في هذا البلد.
ما فاجأني حقّاً هو الرغبة التي بدأت بالتداعي شيئاً فشيئاً، قلت لنفسي: “والآن ماذا ألتقط!” للأسف واجه المحيطُ العدسةَ بعيون خائفة، وما أغاظني حقاً كميّة صور الموبايل التي تلتقط في الشارع وفي كلّ مكان مقارنة بصعوبة الحصول على موافقات تسمح لي استخدام كاميرتي في الشارع بما أنّني حتى اليوم لم أتخرّج من كليّة الإعلام لأحصل على بطاقة صحفي قد تسمح لي بالتقديم على الموافقة، ومع ذلك كان صديقي الحاصل على بطاقة المصوّرين العرب دائماً ما يتعرّض لمعوّقات في الأماكن العامّة عندما يُخرج كاميرته، مثل خوف الناس الذي يظهر بأشكالٍ خجلة أو غاضبة أحياناً، أو مسائلاتٍ أمنيّة قد تعرّضه للخطر.
خلال تصفّحي لتطبيق “Instagram” الذي يعتمد على نشر الصور فقط؛ لاحظت كميّة الصور الملتقطة في الأماكن العامّة بين الصور الشخصيّة وأخرى للأبنية والشوارع، ثمّ حاولت التواصل مع محمود، (21 عاماً)، طالب طب أسنان، لفتني عمله الفوتوغرافيّ وخاصّةً في الأماكن العامّة، و عندما سألته عن سرّ التصوير في الخارج، قال لي أنّ عمله لا يتطلّب هذه الجرأة الكبيرة عندما تلتقط صوراً كهذه بالموبايل، مضيفاً: “ربّما يجد البعض صعوبة ماديّة كبيرة لاقتناء كاميرا احترافيّة، بينما اليوم يعتبر الموبايل وسيلة سهلة وغير ممنوعة في الطرقات العامّة تستطيعين به التقاط الصورة في اللحظة التي تنتابك الرغبة بذلك”.
برأي كريم، (23 عاماً)، طالب في جامعة الهمك وهاوٍ للفوتوغراف، أنّ صعوبة شراء الكاميرا ليست السبب الوحيد الذي يمنع هواة التصوير من ممارسة ما يفضّلوه، لكن فن التصوير في بلدنا لم يلقَ هذا الاهتمام الواسع، فانعدام وجود المعاهد والمدارس التي تدرّس هذا الفن أكاديميّاً وقلّة الوعي الثقافيّ بالتصوير كفن مثله مثل الموسيقا أو الرسم؛ جعل الصعوبات لا تقتصر على الماديّات فقط وإنما اجتماعيّة أيضاً، يضيف: “العمل المتوافر للمصوّرين حاليّاً هو تصوير الحفلات والأعراس، وهذا بسبب عدم وجود دعم أو قاعدة ثقافيّة، مما جعل غالبيّة العاملين في هذا المجال يلجأون للتصوير كهواية إلّا في حال الحصول على فرصة نادرة تمكّنهم من العمل خارج البلد”.
لم يقتصر الفوتوغراف على كونه فن له معارضوه وهواته فقط، فاليوم بات وسيلة لإيصال “ماذا يحدث وماذا حدث”، ومهنة لغالبيّة العاملين في مجال الإعلام، ذلك أنّه بعد فترة من إنشاء الجريدة حتّى انتشار المواقع وصفحات التواصل الاجتماعيّ الإعلاميّة؛ كانت الصورة مرافقة لكلّ خبر كدليلٍ قاطع يترجم الكلمات بجانبها، لكن هل تم الاهتمام حقاً بهذا الموضوع في بلدنا؟، وماهي الصعوبات التي يتعرّض لها الصحفيون في سوريا؟.
الخبرة الطويلة في العمل الإعلاميّ للصحفي السوري ماهر المونّس؛ دفعتني للتواصل معه للإجابة على التساؤلات السابقة، فبعث لي بالسطور التالية محاولاً اختصار الصعوبات التي تلتمس كلّ من يمارس هذه المهنة ويعيش في هذا البلد: “سأقسّم الصعوبات إلى ثلاثة محاور:
صعوبات تقنية: تتعلّق بالمقدرة الماديّة لاقتناء الكاميرا ومواد التصوير غالية الثمن والمتجدّدة بشكل دائم، وصعوبات اجتماعية: تتعلّق بتصالح الناس مع عدسة الكاميرا، فالغالب يخاف أو يخجل من أن يظهر ضمن كادر صورة، ويتحاشى أو يتهرّب أن يكون داخل إطار صحفي، والصعوبة الثالثة: لها علاقة بالموافقات والإجراءات التي تصعّب كثيراً عملية التصوير في بلد يشهد حرباً استمرت وقتاً طويلاً، ويبرّر ذلك للجهات المسؤولة طلب العديد من الموافقات من أجل إنجاز صورة في مكان ما” .
الضوء هو جلّ ما تحتاجه العيون والكاميرا، وحياتنا كل ما يلزمها هو نور توعويّ بما يخصّ الثقافة والعلم والتكنولوجيا لنكسر خوفنا الداخليّ الذي يظهر أمام العامّة، وفي خلوتنا؛ يتحوّل لراحة نعكسها على الكاميرا الأماميّة لجهازنا الذكي، فاليوم يعدّ التصوير بأنواعه فنّاً له وقعه الكبير في مجالاتٍ عديدة كاشفاً عن أهميّته في وقت الحرب والاعتراف به كمدرسة مكتملة العناصر يؤسس لها معاهدها وجامعاتها، ويُسمَح لهواتها ممارسة أحلامهم دون تعقيدات، متمنين أن يحتوي قانون إعادة الإعمار الجديد بعد الحرب بند إعادة تأهيل كافّة الفنون والعاملين فيها، مشرّعاً عن ولادة جديدة تضمن حقوق وحريّات الفنانين في كافّة المجالات.
مال جميل ينطبق على العديد من الدول وليس فقط دول الشرق الأوسط، الكاميرا الإحترافية يخاف منها الجميع ولكنهم يحضنون ويلهثون لأخذ صورهم بهواتفهم!!
غريب !!
نعم أحمد
للأسف هذا الواقع على أمل أن يتغيّر ويخفّ الخوف