في وقتٍ لا تزال فيه الأبحاث الأكاديمية المتعلقة بتأثير تطبيق إنستغرام على الصحة النفسية جديدة نسبياً، تكثر في الآونة الأخيرة الأدلة التي تشير للتأثيرات السلبية التي يتركها التطبيق على كيفية إدراك المستخدمين لأنفسهم، وللعالم المحيط من حولهم.
مرّ تطبيق إنستغرام، منذ إطلاقه رسمياً في عام 2010، بعددٍ من التحولات في طريقة استخدامه، من تطبيقٍ يهدف لإتاحة منصة يحفظ من خلالها المستخدمون صورهم ويعدلّون عليها، إلى منصة تسجّل يوميات المستخدمين وتتيح لهم تقنية الفيديو المتقطع والكامل بعددٍ وافر من المرشحات (الفلاتر)، ما دفع التطبيق ليغدو أكبر مكتبة لـ”صور الرفاهية، وأطباق الطعام الشهية، والنزعات التجريبية المفرطة، والصور الشخصية البراقة”، بحسب وصف تقرير status of mind، الذي نشرته الجمعية الملكية للمملكة المتحدة للصحة العامة في عام 2017.
رغم عدم إنكاره لأهمية التطور الملفت الذي خلقته وسائل التواصل الاجتماعي في حياة المستخدمين، يؤكد الطبيب النفسي أيهم عوالة أن “الفرق بين إنستغرام وغيره من التطبيقات هو تركيزه على الصورة كمادة، وهذه الأخيرة لها أثر واسع في ترسيخ الانطباعات لدى الشخص المتلقي. فلو رأيت أحد الأشخاص يصف تفاصيل يومه الجيد بسطرين مكتوبين فإن ذلك لن يترك أثراً حاسماً لديك، لكن بمجرد أن يضيف هذا الشخص صوراً موثقة لهذه التفاصيل، ستتعطل أغلب دفاعاتك النفسية. وهذا بالضبط ما يجعل الإنستغرام عاملاً معززاً للقلق والاكتئاب والشعور بالوحدة وغيرها من الاضطرابات”.
كانت سارة (29 عاماً، اسم مستعار) تقضي وقتاً طويلاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص على إنستغرام، تؤكد سارة لـ”شباك سوري”: “عززت صور النساء الرشيقات والجميلات التي كنت أنظر إليها من قلقي إزاء وزني وشكل أنفي، وكانت تتكاثر في رأسي صور التشوهات الموجودة في جسدي متجاهلة كل المديح الذي وجهه لي المقربون مني. في وقتٍ لاحق بدأت علاجاً نفسياً منتظماً علمت في نهايته أني كنت مصابة بمرض BDD (اضطراب التشوه الجسماني النفسي). أعتقد أن العلاج النفسي كان له أثراً كبيراً في تغيير نظرتي إلى جسدي بشكلٍ إيجابي، لكن أكثر ما فادني هو أني قضيت وقتاً طويلاً أتابع جلسات التحضير والتصوير Making Of، فأصبحت شيئاً فشيئاً أنظر إلى الصور التي أراها على هذه التطبيقات بوصفها أعمالاً مفتعلة غير طبيعية”.
في السياق ذاته، يعتقد محمد عثمان، الطالب في قسم علم النفس بكلية التربية بدمشق، أن أكبر الآثار السلبية لإنستغرام هي الميل نحو المقارنة واليأس وتجاهل العوامل الأساسية، وذلك موجود عند الرجال كما النساء، حيث أن “الدماغ يميل إلى الحذف والاختصار، وذلك يعني أنني عندما أرى الأصدقاء ينشرون باستمرار صوراً لهم في عطلة أو وهم يستمتعون بلياليهم ومشاويرهم يتزايد لدي الشعور بالوحدة والفقد، وسأميل للاعتقاد بأن الناس تعيش على هذه الشاكلة بينما واقع حياتي مختلف عنهم، فدماغي لن يرهق نفسه بالتفكير بأن هذه الصور تعود لأشخاص قد يعيشون حياة مثل حياتي تماماً لكن صورهم ليست سوى اقتناصاً لبعض أجمل اللحظات في حياتهم”.
في المقابل، تسلط السيدة منال شيا، الحاصلة على درجة الماجستير في الصحة النفسية، الضوء على نوع آخر من الاضطرابات، يصيب هذه المرة لا الشخص الذي ينظر إلى الصور داخل إنستغرام، بل إلى الشخص الذي يشارك صوره “حيث أن نشر المحتوى عندما تعرف أنه لا يشبهك، ولا يشبه حياتك الحقيقية، وأن هذا الذي في الصورة ليس أنت تماماً، له تأثير سلبي على نفسية الشخص ذاته الذي يبدو سعيداً على إنستغرام، ويزداد الموضوع تعقيداً كلما زاد استخدام الشخص للفلاتر الجاهزة داخل التطبيق، مما يساعد على تصعيد التناقض الذاتي وارتفاع درجة عدم الرضا عن الذات”. وبالرغم من ذلك، تؤكد شيا أنه “مع الأخذ بعين الاعتبار أن وسائل التواصل ليست سيئة بالمطلق، وأن جذور المشاكل النفسية ليست في هذه التطبيقات بحد ذاتها بل بالواقع الاجتماعي الذي يعيشه الناس، فإن المقترحات الممكنة التي تخطر ببالي الآن هي العمل على إحداث دروس توعية على سبيل المثال في المدارس حول الاستخدام الصحي لوسائل التواصل الاجتماعي. فالمنع ليس هو الحل، بل تمكين المستخدمين من الاستخدام الأمثل للتطور التكنولوجي بما يحافظ على صحتهم النفسية، ودفعهم للانتباه إلى الوقت الوسطي الذي يمكن لهم أن يقضوه على هذه التطبيقات”.