تحول المقاهي إلى أمكان عمل في سوريا- شباك سوري
article comment count is: 0

تفضّل…لدينا تكييف وكهرباء وإنترنت

تختلف أشكال النزوح في سوريا من مكانٍ لأخر… لخارج البلاد، لبقعةٍ جغرافية أخرى داخل البلاد، أو في المكان نفسه، شعور أنك نازحٌ دائم الترحال تبحث عن الاستقرار يرافق جيل الشباب في سوريا منذ عدّة أعوام ولليوم، حاملين ثيابهم، أثاثهم، واليوم حاملين كتبهم ودفاترهم وأجهزة الحاسوب الخاصة بهم، يبحثون عن الكهرباء والإنترنت والدفء أو الهواء البارد هنا وهناك.

عروض المقاهي من حول العالم تختلف عن عروض المقاهي في سوريا، من حول العالم قد تكون “يتوفر لدينا هذا الطبق أو ذلك الشراب، لكن في سوريا يكون المقهى الأكثر ازدحاماً ذلك الذي يتوفر به التكييف والإنترنت والكهرباء.

لجين ويزن طالبان في هندسة العمارة يجلسان بشكلٍ شبه يوميّ في أحد مقاهي اللاذقية المخصصة للدراسة والتي باتت منتشرةً بكثرة في الآونة الأخيرة، شرح لنا يزن مع مساطره ومثلثاته والأوراق التي تملأ الطاولة عن حال الدراسة:” لا مجال للدراسة في المنزل أو حتى العمل مع انقطاع الكهرباء الطويل، نحتاج مكاناً مع إضاءة وتهوية وكهرباء وإنترنت، وهذه الأمور غير متوفرة في منازلنا، نجلس في هذا المقهى أحياناً، أو أي مقهى أخر يكون لديه هدوء ومقومات الدراسة والعمل عبر الإنترنت”.

أخبرتنا لجين أنهم استأجروا مكتباً منذ فترة ليعملوا به كونهم يعملون “أونلاين” في مجال التصميم وليحضروا به لامتحاناتهم، لكنهم تركوا المكتب واتجهوا للمقاهي كونهم لم يعودوا قادرين على دفع ثمن المحروقات لتشغيل مولدة الكهرباء وكون أجارات المكاتب أصبحت باهظة الثمن.

تنتشر اليوم في سوريا بشكلٍ عام المقاهي التي تحوي زوايا الدراسة وأماكن أخرى مخصصة للدراسة والعمل فقط، بعضها يسمح لك بالدخول مع طعامك وشرابك واشتراك يومي وبعضها باشتراك شهري، وبعضها بأسعار رمزية وأخرى سياحية تضاهي المطاعم الفخمة.

تعجّ المقاهي بالطلاب والعاملين في مجال “الأونلاين” فبعد تدهور الليرة السورية وتردي الوضع الاقتصادي على مدى السنوات الماضية تضررت أغلب فئات المجتمع نتيجة الصراعات، وخاصة فئة الأطفال والشباب فهم أكبر مجموعة تدفع ثمن هذه الأزمة فقد غيرت الحرب مسارات الحياة، ومستقبل الكثير منهم بشكل جذري، فيما أثر على البعض بشكل جزئي.

نور محمد، طالبة معلوماتية تخبرنا عن تجربتها أيضاً:” تحوّل منزلي لفندقٍ أنام فيه فقط، فأنا شبه أداوم في المقاهي سعياً خلف الكهرباء والإنترنت لأدرس وأعمل، منذ سنوات الحرب الأولى وإلى اليوم وأنا أضبط المنبه على مواعيد الكهرباء وأصبحت حياتي كلها مربوطةً بها، ولا حلّ سوى عودة الكهرباء والإنترنت لتعود حياتنا إلى طبيعتها”.

تتابع نور حديثها عن واقعها:” أتابع دراستي وعملي فقط لأحقق هدفاً واحداً وهو السفر، وأظنّ أنه اليوم هو الحلم لدى أغلب الشباب السوري، ليس السفر بداعي السياحة، وإنما السفر بداعي عيش حياةٍ كريمة وهادئة، ومن يعلم قد لا أتخلص من عقدة الإنترنت والكهرباء حتى وإن سافرت كونها أصبحت مرافقاُ لنا في حياتنا اليومية”.

رحلة البحث عن الإنترنت والكهرباء والتكييف أصبحت رحلة جيل، قصة حياةٍ وكفاح وسط الدمار والأحلام المؤجلة لأناسٍ عاشوا الأيام التي من المفترض أن تكون أجمل حياتهم في أقسى الظروف تحت النار والقذائف والبارود.

حال نور ويزن ولجين، حال أغلب الشباب السوريين الطامحين بحياةٍ كريمة وأمورٍ بسيطة هي في بقية العالم حقوق طبيعية لكن بالنسبة لهم أصبحت مطالب وضروباً من ضروب الرفاهية.

ولم يعد مشهد انتشار الطلاب والعاملين على الانترنت وهم يستخدمون حواسيبهم المحمولة حدثاً يثير الانتباه وإنما أصبح من صفات الشارع السوري. وتزداد معاناة الشباب اليوم مع ازدياد ضعف البلاد اقتصادياً وتدني جودة الإنترنت وارتفاع أسعار الباقات التي من الممكن أن يحصلوا عليها عبر هواتفهم، لذلك وجودوا في المقاهي ملجأً لهم عله يقيهم الحرّ والبرد والحرمان من أدنى مقومات العيش.

 

 

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً