وقفت منتظراً صديقي بالقرب من دوار الساعة في مدينة طرطوس، عندما تقدم إلي رجل خمسيني، ليلقي التحية بطريقة غريبة، ويبدأ بطرح عدد من الأسئلة من نوع ماذا تفعل ومن تنتظر، كنت ولوهلة قد اعتقدته عنصراً من الأمن، واستغربت استجوابه لشاب عادي يقف في الشارع.
الرجل والذي ليس بعنصر، لم يتوانى عن كشف نيته الحقيقية عندما بدأ بالاقتراب، وتحسس وجهي بيده، إلا أني وقبل أن يكمل ملامساته وتعديه اللفظي والجسدي علي، كنت قد ابتعدت عنه بصمت تجنباً لإثارة الجلبة.
توقفت بعدها قليلا وقلت لنفسي: يا إلهي! لقد تعرضت للتحرش تواً!
لأمر غريب ومستهجن أن تتحدث عن تجربة تعرضك للتحرش فيما لو كنت شاباً، وخصوصاً إذا ما كان المتحرش بك رجلاً، وهو بدون أدنى شك لا يقل عن صعوبة تحدث النساء عن قصص التحرش الذي تعرضن له، إلا أن الإضاءة على هذه التجارب ومشاركتها، قد تدفعنا لاتخاذ خطوات وإجراءات للحد منها.
دفعني ذلك فيما بعد للبحث في تجارب مشابهة عن التحرش بالفتيان والرجال، ولأن معظم الأضواء تتسلط على النساء كضحية للتحرش الجنسي، قلة من الجهات تضع التحرش بالرجال في عين الاعتبار، لكن التجارب اليومية لبعض الأشخاص تثبت أن التحرش لا يتعلق بنوع اجتماعي معين، وقد تكون المرأة نفسها، هي الجاني في بعض الأحيان.
يروي لنا طبيب الأسنان ف.ف (26 عاماً من حمص) قصة تعرضه للتحرش من مريضة، فيقول: “بينما أقوم بعملي، كانت تضع يدها على رجلي، وكنت أقوم بإبعادها في كل مرة تضعها، إلا أنها بدأت بمد يدها لمنطقتي الحساسة، ما اضطرني لمناداة الممرضة لتقف بجانبي أثناء عملي، لقد كان ذلك من أكثر المواقف إحراجا التي تعرضت لها”
ويضيف الطبيب: “أزعجني ما حدث، وشعرت بأنه اعتداء، لكني في نفس الوقت لم أستطع التصرف، فبإمكان المتعدية أن تجعلني أنا المتحرش، لصعوبة التصديق بأن امرأة من قامت بالتحرش، وليست هي الضحية”
أما للشاب ت.ح -24عاماً من دمشق- قصة أخرى، حيث يروي أنه وبينما كان مع أصدقائه يجلسون في مكان لا يستحب فيه التدخين، صادف أنه وزوجة أحد أصدقائه مدخنان، ويكمل: خرجنا لفسحة حيث بإمكاننا التدخين، وما إن تبعتني، حتى بدأت بمعانقتي وتعمدت أن تجعل جسدها يحتك بجسدي بقوة، تلفتت قليلاً، وعاودت فعل ذلك”
يضيف الشاب العشريني: “على الرغم من أنني أخبرتها أنه من الأفضل أن ننتهي من التدخين ونعاود الدخول، لم ينجح ذلك، ما اضطرني إلى صدها وإبعادها عني، والدخول، وأكملنا سهرتنا وكأن شيئا لم يحدث”
يروي عدد من الشبان لشباك سوري مواقف أخرى من التحرش، حيث يذكر محمد -30عاماً من اللاذقية- أن فتاة طلبت منه قبلة، ويقول: “لم أقبل، لكنني لم أنزعج، بل ربما سعدت بذلك، وندمت لأني رفضت”
كذلك الأمر بالنسبة للشابين العشرينيين عبود وحسن، حيث لم يسبب الموقف لهما أية مضايقة، ويرى عبود أن مواقف التحرش التي تعرض لها وعلى الرغم من غرابتها فهي مضحكة.
عن الأسباب والحلول الممكنة:
لا يختلف رأي رام أسعد -23عاماً – وهو صحفي وناشط مدني، بالتحرش بالرجال عن التحرش بالنساء، وبرأيه أن هذا النوع من التحرش مؤذ ويستهدف مصادرة حرية، أو التعدي على جسد الطرف الآخر، وهو مستهجن تماما.
ويضيف أسعد لشباك سوري: “لا أرى أن الأسباب هنا تختلف عن أسباب التحرش بالنساء، والتي ليس لها علاقة بالضحية، بل لها علاقة بالجاني، فالمتحرش نفسه سواء كان ذكراً أو أنثى، يرى أن من حقه التعدي على أجساد الآخرين، نتيجة رغبة شهوانية، أو ثقافة مجتمعية، أو حتى مرض نفسي”
وبسؤاله عما يمكن القيام به لحماية الرجل من التحرش، يقول أسعد: ” في المرتبة الأولى حملات توعوية تستهدف هذا الموضوع، والتي ليست موجودة في مجتمعاتنا نتيجة الثقافة الذكورية، فالذكر يخجل، أن يعترف بهذا الأمر أو حتى إذا ما تعرض له، فعليه معرفة أن ذلك ليس انتقاصاً من رجولته وليس إدانة له بل للمتحرش.”
ويختم حديثه: “والأهم برأيي في أي إجراء يجب القيام به، هو وجود رادع قانوني، ووجود بند في القانون السوري يوضح دون جدل، ماهية التحرش، وماهي العقوبات المرتبة على ذلك.”
أما الآن، بعد مشاركة العديد من الشباب تجاربهم وآراءهم معنا، ماذا تنتظر لمشاركتنا تجربتك، والسعي لوضع حد للتحرش، يمكنك التعبير برأيك عبر التعليقات، أو بإرسال رسالة على بريد الصفحة.