ينظر البعض للجامعات بوصفها فترة انتقالية بين عالم التعليم والدخول في سوق العمل، وآخرون لا يرون فيها سوى مراكز تؤهل الطلاب لاكتساب “الخبرة الحقيقية” من هذا السوق. لكن ماذا لو كان للطلاب حرية أن يجروا بأنفسهم تغييرات على نمط التعليم الجامعي في سوريا، وما الذي يرون ضرورة في تغييره كي يدفعوا عجلة التعليم الأكاديمي إلى الأمام؟
على أبواب تخرجه من قسم الاتصالات في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بدمشق، لا يجد غسان قطيش صعوبة في الحديث عن التغيرات التي يأمل إحداثها في الجامعة: “لو كان القرار بيدي، لغيّرت طريقة التعامل المنهجي مع الطلاب، فالطالب لدى دخوله الجامعة يتوقّع أن يباشر الخبرة النظرية والعملية ليكون جاهزاً للانخراط في السوق”، ويتابع: “ما يحدث مع معظمنا هو أننا نتحول إلى “مسخرة” بمجرد انضمامنا لهذا السوق، لأننا ندرك حينها أننا تقريباً لم نكتسب من سنوات دراستنا سوى القدرة على التعلم من السوق، أما في العمق، فلسنا جاهزين للإمساك بأي مشروع بمفردنا.. ولو أردت اختصار التعديلات التي سأدخلها على نظام التعليم، فسأقول إن الأولوية ستكون لإحداث ورش عملية تحاكي طبيعة المشاكل التي سنتعاطى معها في المستقبل”.
في المقابل، يرى أحد طلاب كلية العلوم السياسية في جامعة دمشق، أن التطوير الأساسي الذي ينبغي أن يشمل معظم الفروع هو “أن يتم إعطاء أولوية خاصة جداً للبحث، فالجامعات ينبغي أن تكون مراكز بحث علمي، أو على الأقل يجب أن تكون هذه المراكز جزءاً جوهرياً من عمل الجامعة، نسبة الإنفاق على البحث العلمي في بلادنا مخجلة، هنالك دول لا تزيدنا كثيراً من حيث قدراتها كدول، لكن نسبة الإنفاق على البحث العلمي لديها أضعاف ما هو موجود لدينا حالياً”، ويعقب: “ثم هنالك مسألة أخرى تتعلق بالعلوم السياسية تحديداً، وهي إعطاء هامش حرية أكبر للطالب ليعبّر عن آراء ومواقف قد لا تتقاطع مع المواقف الشخصية للأساتذة في كثير من الأحيان، القاعدة التي تقول بأن من حق الطالب أن يخطئ وأن يتعلم من خطئه هي شبه غائبة في كليتنا بسبب “حساسية ما نتعاطى به” بحسب تعبير أحد الأساتذة لدينا”.
أما “المشكلة الأكبر” حسب توصيف تالا علي، الطالبة في كلية الهندسة المدنية بدمشق، تكمن في “العدد الكبير من طلاب الجامعة الذين لا يعرفون، حرفياً، ماهية المواد التي يدرسونها. للوهلة الأولى تشعر وكأن بعض الطلاب دخلوا إلى هذا الفرع بطريقة اعتباطية، وبعضهم يعاني لأنه لا يعرف الأساسيات التي تم حشرها في السنة الأولى. لو كنت قادرة على تغيير شيء، فسأغير تخطيط كل النظام التعليمي في سوريا، بحيث تكون المرحلة الثانوية هي مرحلة تأسيس للفرع الجامعي الذي سيدخله الطالب، أي أن نكون جاهزين للدراسة الجامعية منذ الثانوي وربما الإعدادي”. تضيف علي: “ولأنني من إحدى المحافظات البعيدة، فبالتأكيد سأعمل على تغيير واقع السكن الجامعي ليكون لائقاً ومكاناً آمناً وموثوقاً للطلاب… هذه الأماكن اليوم هي شبه موبوءة ولا تفرز سوى المشاكل، بعضها مشاكل تتعلق بالنظافة، وأخرى تتصل بالبعد الاجتماعي والتكتلات الاجتماعية التي تساعد بنية السكن الجامعي على خلقها وتعزيزها. أعتقد أنه لو كانت عوامل الخدمة المعقولة متوفرة في السكن الجامعية لتضاءلت بشكلٍ كبير نسبة المشاكل التي تحدث هناك”.
إلى ذلك، تشدد الطالبة في كلية الزراعة، علا الترك، على أن “مصلحة الطلاب مرتبطة بمصلحة الأساتذة”، وتشرح وجهة نظرها: “يحدث تسرّب كبير للأساتذة من الجامعة الحكومية الرسمية باتجاه الجامعات الخاصة، وهذا التسرب يحدث تحديداً بالنسبة للأساتذة الأكثر كفاءة والأكثر قدرة على تقديم الاستفادة للطلاب، يجب التفكير في أسباب هذه المشكلة ومعالجتها… أما المشكلة الفادحة التي لا أعرف كيف يمكن حلها فهي ظاهرة هجرة هؤلاء الأساتذة للتعليم خارج البلاد، هذه الكفاءات لا ينبغي أن نخسرها مهما كان الثمن، وأعتقد أن الموضوع يمكن حله بأن تكون أجور الأساتذة مغرية لهم للبقاء داخل الجامعات الحكومية، فالشريحة الأكبر من الطلاب لا تستطيع دخول الجامعات الخاصة، وإذا ظل الوضع على حاله فإننا نخاطر بمستقبل هذه الشريحة الأكبر، وبالمنطق البسيط، هذه الشريحة هي في الغالب من ستخرج الكوادر التي ستعمل داخل البلاد، أما طلاب التعليم الخاص فغالباً ما تكون فرص سفرهم للخارج متاحة لهم”.
هل وجدت هذه المادة مفيدة؟