لم يكتف الشاب الثلاثيني دانيال الخطيب خريج المعهد العالي للفنون المسرحية، من تقديم عروضه على خشبة مسرح المدينة، بل حوّل بهواً وغرفتين من منزله الواقع في طرطوس إلى محترف مسرحي يقدم من خلاله فناً مختلفاً، وفرصةً لأبناء المدينة في مجال احتراف التمثيل.
“بعد مرور 167 عاماً على مارون النقاش الذي انشأ مسرحاً في حديقة منزله، أنهي اليوم تركيب خشبة المسرح في بيتي”
بهذه الكلمات أعلن دانيال الخطيب عام 2015 عن محترفه المسرحي في طرطوس، وعن السبب يقول الشاب الثلاثيني: “لم أجد في سوريا فضاء يحتويني، أو يوفر لي فرصة لأقدم ما عملت لأجله سنين طوال، فلا وجود للمسرح هنا، ولا إمكانيات، هذا ما دفعني لأخلق هذه المساحة الخاصة، قمت بخلقها بنفسي.”
نبضة .. من قلب مدينة
طرطوس مدينة لا تقبل الاختلاف، فهي تشبه بعضها بأسواقها، بمهرجاناتها، وطريقة حياتها، شبهٌ أتعب أبناءها منذ سنين، أمر تحداه دانيال بعد تخرجه، ليعود إلى مدينته وينعش فيها نبضاً يقفز فيها إلى ما فوق الشبه ويدنيها لعمق الاختلاف، بكل ما يملكه من طاقة.
الخطيب قدم عدة عروض مسرحية كـ “القرية عالم صغير، المقولوية، شاطئ الاحلام، أوربا- أمريكا- خط جديد”. عروض أذهلت جمهور المدينة الذين لم يتعودوا على رؤية هذا الفن المتقن في مدينتهم فالمحظوظ منهم كان يتكفل بمشقة الطريق لدمشق ليتذوق الفن.
في مدينة كطرطوس لا تمتلك العديد من الخيارات
من الممكن أن تصبح طبيباً، محامياً أو ربما متعهداً، أما إذا فكرت أن تصبح ممثلاً، موسيقياً أو راقصاً معاصراً احزم أمتعتك، فلا مكان هنا لحلمك.
سالي حمادة (26 عاماً)، خريجة هندسة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تشاركنا تجربتها: “أحب التمثيل منذ زمن، وقراري بالدراسة في معهد التمثيل ألغته ظروف الحرب التي منعتني من السفر لمحافظة أخرى، إلا أن والدتي كانت تدبر لي أمراً آخراً، فبعد أن علمت بوجود المحترف، أهدتني في عيد ميلادي ورشة في التمثيل، ومنذ ذلك الوقت وأنا في المحترف مستمرة منذ ثلاث سنوات ونصف”.
“فضاء مستقل في المدينة”
بتأسيس “فرقة المسرح الصغير” أكمل دانيال الخطيب شغفه بالمسرح ليقدم أول عرض مستقل بعنوان “Hello out there”، أما العرض الثاني “هلقشو”؛ قدمه في فضاء محترفه الذي لا يتسع إلا لـ32 شخصاً، عرض مدد لأكثر من أسبوع بضغط من المجتمع، فطرطوس عشقته، لتصبح خشبة المحترف فضاءً يتسع لمدينة بأكملها.
من فرقة المحترف علي سلمان (23 عاماً)، خريج معهد معلوماتية، يقول: “في المحترف ليس هدفنا العرض بحد ذاته، فنحن لا نقدم عرضاً قبل أن نكون جاهزين 100%، فعلينا أولاً أن ندخل في الشخصية، ونتبناها، لا أن نمثلها، وإذا رأينا أن الأمر يحتاج لوقت، لا نقدم العرض.
من طرطوس إلى مسارح برودواي “بمنهاتن”؟!
لم تخل طرطوس من العروض المسرحية المختلفة إلا أنها لم تشكل أو تترك ذاكرة لها في المدينة. الدكتورة والناشطة المجتمعية غادة زغبور من متابعي أعمال المحترف تقول: “لم أر عملاً مشابهاً، دائما يدهشني، يشعرني أن اللاعب على الخشبة ينظر إلي وحدي يخاطبني أنا فحسب، وهذا ما يذكرني بمسارح برودواي في منهاتن التي تسنت لي فرصة حضور العديد منها، فأنت لا تعرف متى يأخذك الممثل لتصبح شريكه، فتدخل في الحدث وتبقى معلقاً في الفكرة”.
“طرطوس … متلها متل الطب الناجح ما بضل هون”
“نحن في طرطوس نعاني ما عانته دمشق منذ ستين عاماً، لا مكان يستوعبنا، لا يوجد شغف كاف من أبناء المدينة” هي جمل مقتضبة قالها دانيال أثناء حديثنا، جمل تشي بطرطوس وتدفعك إما للاستسلام للواقع الراهن أو لحزم الأمتعة والرحيل.
رغم أن المحترف يتلقى دعما فردياً من قبل مؤمنين بالمسرح، إلا أن هذا لا يشمل المؤسسات الرسمية التي لم تقدم أي دعم يذكر. أما عن المجتمع فيقول دانيال: “يجب أن يكون المسرح موازياً لجميع أنواع التنمية الاجتماعية والفكرية والاقتصادية وغيرها. ولذلك لا أستطيع أن أطالب المجتمع بأكثر من ذلك، ليس لديه فكرة عن المسرح”.
“خطوة أخيرة ليصير في أمل”
من فرقة “المسرح الصغير” إلى المحترف خاض العديد من أبناء المدينة تجربة التمثيل والإخراج، بعضهم أصبح مدرباً للأطفال، ومنهم عادوا تواً من فحص القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية، وآخرون حزموا أمتعتهم، فالفضاء هنا لا يتسع لجميع أحلامهم، والمدينة لا تقدم لهم سبل البقاء، الخيارات هنا محدودة متشابهة، والاختلاف يحتاج للزمن.
زمن بدأ به محترف دانيال الخطيب المسرحي عندما آمن بفكرة واحدة، حين دمج ميلاد المحترف بذكرى وفاة الكاتب المسرحي سعد الله ونوس، ليقولوا من خلال هذا الدمج: “الحياة مستمرة وهذه البقعة الخلاقة من هذا الكوكب يجب أن تستمر بإنتاج الإبداع، فسعد الله ونوس، يحق لنا أن نفخر به”.
اتمنى اكون في هذا المسرح
صديقي حمزة حسين ..
شكرا لتعليقك على هذا المقال ..
للتواصل على فيس بوك
محترف دانيال الخطيب المسرحي
على الرابط التالي :
https://www.facebook.com/dany.khateeb/