شابات سوريات في أحد مقاهي مدينة اللاذقية/ شباك سوري
article comment count is: 0

المجتمع مقابل أمراض الشباب النفسية

  • نتاج حرب:

تبحث بين أوراقها عن قصصٍ كتبتها كلّما كانت تستيقظ من حلمٍ سيء تتذكّره، فطبيبها ألحّ عليها بكتابة ما كانت تراه خلال نومها بشرط محاولة تحويره لقصّةٍ خياليّة ومعاودة قرائتها ليؤكّد لها أنّ جميع هذه الخيالات هي من كانت تؤلّفها في نومها. تناولني ورقة رسم عليها عيون كبيرة وفم لوحظ لي أنّ الدم كان يسيل منه وبجانبها قصّة تروي حكاية هذا الوجه المخيف ثمّ تجلس بجانب والدتها وتسند رأسها على بطنها لتحاول الحديث مع أخيها الذي لم يولد بعد.

عانت ميرا  (10 سنوات ) من اضطراب الكوابيس والخوف بعد تهجيرها القسريّ من حلب إلى مدينة اللاذقيّة حيث تسكن اليوم مع والدتها وأخواتها في انتظار المولود الجديد، لاحظت والدتها استيقاظها المتكرّر أو صراخها أثناء نومها لكنّها في البداية لم تلقِ الاهتمام للمشكلة حتّى انتباه أحد المشرفين على ميرا في أحد مراكز الجمعيّات الخيريّة التي كانت ترعى النازحين، فانعزالها وخوفها من الناس دفعه لعرضها على الطبيب النفسي للجمعيّة كي يبدأوا بالعلاج الذي جعل اليوم طموح ميرا أن تصبح كاتبة قصص.

  • أحكام المجتمع:

قلّة خبرتنا بعلم النفس جعلت بعضنا بعيدين عن عيادات الطب النفسيّ معتقدين أنّ من يزورها مصاباً بداء (الجنون) أو أمراضاً معيبة تجعلنا نتجنّب الاقتراب أو الاختلاط مع المصاب هذا على جانب بعض الناس، أمّا على الجانب الآخر هنالك بعض الأطباء من تنقصهم الخبرة في حلّ مشاكل بسيطة فيعرضوا حلولاً دوائيّة بدلاً عن الحوار، حيث أذكر جيّداً عندما ذهبت لطبيب نفسيّ كي أروّح عن الأفكار التي تتصارع في عقلي، وكيف رميت بوصفة الأدوية – المهدّئة والمنوّمة – التي أعطاني إياها في القمامة مباشرةً بعد خروجي من العيادة!

كان الأخطر هو جهل بعضنا بأنّ غالبيتنا يعاني من ضغوط تفجّر فيه وساوساً وأمراضاً تبعث بطاقاتٍ سلبيّة على المحيط، معتقدين أنّ ما يحدث سببه خارجي وليس العكس. نور (21 عاماً)، هندسة طبيّة، “التي فرضت نفسها في الماضي على أصدقائها وقامت “بتمثيليّات دراميّة ” لتستدرّ تعاطف المقربين منها حتّى خسرتهم، كانت تكذب بزياراتها للطبيب النفسيّ كي تقنع محيطها المقرّب بمرضها لخوفها من البقاء وحيدة، وهذا ما حصل فعلاً بعد أن استنفذت طاقات أصدقائها بطلب الحب والاهتمام على حساب أوقاتهم حسب وصفها، وتضيف: “ربّما تعود الأسباب لأهلي الذين تخلّوا عنّي منذ صغري، فبعد زيارتي الفعليّة للطبيب النفسيّ طلب رؤيتهم ورفضوا مطلقين ألقاباً كالمجنونة أو المعتوهة على ابنتهم. أحاول اليوم البدء بنشاطاتٍ رياضيّة مع جماعاتٍ جديدة علّي أبتعد عن كوني مصدر للطاقة السلبيّة وأستعيد صداقاتي القديمة “.

على عكس لانا  (20 عاماً) التي تقضي أوقات فراغها في قراءة كتب الفلسفة والروايات العالميّة التي تملأ مكتبتها في غرفتها الورديّة، وخلال النهار في الدراسة الأكاديميّة في الأدب الإنكليزيّ التي فتحت لي الباب للتعرّف عليها لوجود أصدقاء مشتركين، وبعد أن استأذنتها في جلسة نقاش التقينا لنتحدّث عن الفترة التي عانتها بعد معرفتها بإصابتها باضطراب ثنائي القطب – الذي يقوم باختصار على جعل المريض يتطرّف بمشاعره لإحدى حالتيّ السعادة أو الحزن – فبدأت بالحديث عن امتنانها لأهلها الذين ساعدوها للتعايش مع الاضطراب وتوعيتها بأهميّة دوائها، تضيف: “المشكلة التي واجهتها هو أحكام بعض المقربين عندما علموا باضطرابي، وكيف سبّب لي هذا الانعزال بعض الشيء وانعدام الثقة بالأشخاص حتّى أبحث بين أفكارهم عن رأيهم بالمرضى النفسيّين لأفصح لهم عن سبب بعض التصرفات الغريبة التي تصدر منّي أحياناً”.

  • روحٌ افتراضيّة:

تتعدّد أسباب الاضطرابات النفسيّة وخاصّة خلال تسارع التطوّرات التكنولوجيّة وسيلان مواقع التواصل الاجتماعي بين جميع فئات المجتمع، فاكتئاب “لو” أصاب معظم الشباب خلال رؤية صور المشاهير الفاقعة والحفلات المزخرفة مقابل صورة الحياة الرماديّة التي يعيشها معظمهم، فيحاولون تقليد الألوان “الإنستغراميّة ” على سبيل المثال ليخلقوا واقعاً مشوّهاً ينعكس على أفكارهم، أو يجدوه ملجأً يدرُّ عليهم بالإعجابات الافتراضيّة المتناسبة طرداً مع ثقتهم بأنفسهم، فهذا الواقع الافتراضي ساعد أحمد  (27 عاماً) ،خريج اقتصاد، “على تحصيل أعدادٍ كبيرة من الأصدقاء وفي المقابل دمّر حياته الواقعيّة، حيث كان يتسمّر لساعاتٍ طويلة أمام شاشةٍ تفتح له عالماً كبيراً وتعزله عن عالم حقيقيّ، ما دفع والده لفرض عقابٍ قسريّ بترحيله إلى البيت الريفي حسب قوله،  يتابع: “كنت واعياً على الخطر الذي كنت ألحقه بنفسي، لكنّ عائلتي لم تكن على دراية بالوحدة التي عانيت منها بعد سفر جميع أصدقائي، كانت انشغالاتهم الماديّة قد قصّرت الامدادات العاطفيّة التي كنت أحتاجها، وهذا جزء من الأسباب التي جعلت من الشاشة عالمي المؤقت”.

يبقى الخوف مسيطرٌ علينا من أحكام الآخرين فجميع أسماء الشباب السابقة “مستعارة”، وفي ذات الوقت كان الوعي الذي رأيته في أحاديثهم وآراء غيرهم من الشباب عن أهميّة الصحّة النفسيّة فتح شبّاكاً سورياً جديد تدخل منه نسماتٍ تنعش في مستقبلنا تفائلٌ قريب.

هل وجدت هذه المادة مفيدة؟

اترك تعليقاً

أحدث التعليقات (0)

  1. فينا نقترح حلول تكون قريبة للناس بالواقع أكتر متل .. الفرق التطوعية كل فترة تساوي فوكس غروب للمتطوعين أولا وبعدين يصير هالشي متل مبادرة بين الفرق وبعدين بصير الفوكس غروب بين الناس أي المجتمع بشكل كبير وبكل أطيافو وبقترح وجود مرشد نفسي و دكتور نفسي .