“في طريق عودتي إلى المنزل مساءَ أحد الأيام، مختاراً الشارعَ الأقلَّ ازدحاماً، توجّه إليّ شابٌ وتبعه آخر، مدّ يدَه يدعوني إلى مصافحته، وحين فعلتُ متردّداً سألني مشيراً إلى شعري، المعقود على شكل كعكة:
– ليه عامل بحالك هيك؟
– ليه لأ؟ ببراءةٍ أجبت.
– مبيّن متل اللي بألمانيا وبريطانيا، ما هيك؟، موجّهاً السؤالَ إلى صديقه الذي أومأ موافقاً.
بشار (22 عاماً) مدون سوريّ من حمص يخبرني عن المواقف التي تعرض لها عندما قرر أن يطيل شعره، وعن آثار ذلك عليه ضمن وسطه المحيط.
يتابع الشاب العشريني: “لم أقصّ شعري منذ ثلاث سنوات، جربت خلالها عدة تسريحات، إلا أني لم أسلم من التعليقات والسخرية والانتقاد”.
باعتقاد بشار أن المشكلة تكمن في إظهاره لطول شعره أكثر من إطالة شعره بحد ذاته، فعندما بدأ بربطه قلّت المواقف التي تعرض خلالها للتنمّر حتى اختفت تقريباً، ولكنّ حتى ذلك لم يمنع وجود تبعات اجتماعية ونظرة استغراب تجاه مظهره الجديد.
الاستهجان والأحكام المسبقة لا تطال الفتيان فقط .. بل والفتيات!
لم تدر الفتاة الدمشقية التي قررت أن تتخلى عن شعرها الطويل منذ سنوات ماقد يحكم عليها المجتمع جرّاء خطوتها هذه.
آيلة (25 عاماً) معدة سابقة في موقع الفضائيون، تروي تجربتها مع تغيير مظهرها عندما جعلت شعرها بطول عدة سنتيمترات، وتتحدث قائلة: “لطالما أرهقتني حمامات الزيت والاستحمام لوقت طويل، فالعناية بشعري كان أمراً متعباً، وأنا فتاة ليس لديها هذا الاهتمام، وقد تحمّلت هذا العبء لأن الشخص الذي أحببته كان يحب الشعر الطويل، وعندما قصصت شعر علمتُ أن آيلة ذات الشعر القصير هي الفتاة التي أرغب أن أكونها، لا أستطيع أن أكون بشعر طويل لأن هذا لايشبهني”.
تضيف الشابة العشرينية أن ذلك شكل صدمةً لكل محيطها في الوقت الذي لم تكن فيه تلك الموضة منتشرة بعد، تسريحة شعر كتسريحات الفتيان.
“مصبينة، مجنونة، مكتئبة، والكثير من الكلمات التي وصفوني بها، ولم يتوقف الأمر هنا، بل أخبرني الكثير أنني بحاجة لطبيب، اكتشفت أيضاً أن زملائي في الجامعة قد تحدثوا عن كوني فتاة تحب الفتيات أو عن كوني غير متصالحة مع أنوثتي”.
تعتقد آيلة أن المشكلة تكمن بارتباط مفهوم الأنوثة بالصورة النمطية للمرأة في مجتمعاتنا، وأن قيام الفتاة بقص شعرها، الذي يشكل رمزاً لأنوثتها، يعتبر هدراً لهذه الهبة، مما يدفع بالأشخاص لإطلاق الأحكام والاستهجان وعدم تقبل هذا الفعل.
وفيما يخص الشبّان، يوافق بشار على ماقالته آيلة، حيث يعتقد أن أغلب الرافضين لمظهره الجديد يشككون ب”ذكوريته”، وهي صورة مترسخة في ذهنية المجتمع أن قيام الشاب بإطالة شعره فيه تشبّه بالفتيات وهو مايعتبر خطاً أحمراً في مجتمع شرقي ذكوري كمجتمعنا.
المشكلة عامة .. ولكل مدينة خصوصيتها :
من وجهة نظر بشار “حمص مدينة صغيرة، جزء كبير منها مدمر، والمجتمع الحمصي بمختلف مكوناته محافظ وأبوي”، بينما يرى عبدالسلام (20 عاماً) من حمص أن مشكلة عدم التقبل فيما يخص هذا الموضوع مقتصرة فقط على كبار السن وأن الأمر لم يكن بهذا القدر من الصعوبة عليه.
بينما يتفق معظم الشباب أن دمشق هي المدينة التي يشعرون فيها بحرية أكثر من بقية المدن، وقد يرتبط ذلك، كما يرى بشار، بالاعتقاد المسبق للشباب أن العاصمة فيها متسع لكل شيء عدا الأماكن التي ستتواجد بها كزائر يصادف أنها الأكثر ثراء والأقل محافظة.
“باب شرقي هي الرائدة حتماً عندما نتحدث عن تقبل الاختلاف، ففيها أجد أشخاصاً مثلي، لا يحكمون عليك من مظهرك بل من أفكارك وطريقة تعاملك، وهؤلاء الأشخاص اختاروا هذه المنطقة ليرتادوها” تضيف آيلة.
نكسر النمطية .. ونعلم الآخرين تقبل الاختلاف:
“أعجب الكثير من الأشخاص بشعري القصير وتقبلوا ذلك، واعتقدوا أني جريئة وشجاعة، وأخبرني بعض الشباب بأنني غيرت شيئاً من رأيهم عن الفتيات، وأنه بإمكان الفتاة أن تكون جميلة بشعر قصير” تخبرنا آيلة بذلك.
ومن جهته، أكّد عبدالسلام أن الشاب بشعر قصير والفتاة بشعر طويل هو عرف اجتماعي، وما هي إلا مسألة وقت حتى يتغير هذا العرف، فمع ازدياد عدد الشبان الذين يقومون بتغيير مظهرهم عن المعتاد كإطالة شعرهم، يزداد اعتياد وتقبل المجتمع لذلك، وماهي إلا عدة سنوات ويصبح هذا الاستهجان بعيداً عنّا.
ويؤكد الشبّان الثلاثة أن التحلّي بالثقة في النفس ضروري، تفعل ماتريد طالما أنك لا تسبب أذية للآخرين، وفي النهاية عندما يقوم أكثر من شخص بكسر صورة نمطية معينة، سيكون سعيداً لما حققه من نقلة نوعية لنظرة المجتمع للأشخاص، وتحفيز الناس على تقبل الآخر والاختلاف.
حديث ممتع فيو وعي كتير
شكرا صديقي