أجهشت “سعاد خضر” بالبكاء وهي تتصفح هاتفها النقال، محدقة في صور ابنها “يونس” الذي قتل إثر غارة جوية للتحالف الدولي على أحد معسكرات إرهابيي داعش في مدينة الرقة قبل حوالي سنتين، بعد أن أُجبر الطفل، البالغ 10 سنين، على التدريب كمقاتل في معسكرات من سماهم داعش بـ”أشبال الخلافة”.
تقول “سعاد” (اسم مستعار): “فقدت ابني، ونهشت كرامتي وشرفي بسبب زوجي(نمر) الجبان الذي انضم إلى التنظيم، لن أنسى تفاصيل تلك الليلة البشعة، حين اقتحم مقاتلو داعش بيتنا في حارة “البدو”، ودخلوا مدججين بالأسلحة، وكيف أهلّ زوجي بهم وسهلّ، ضممت أطفالي الثلاثة لحضني بقوة، لاسيما حين لوحوا بنظراتهم إلى ابني “يونس”، وسحبوه عنوة من بين ذراعي، وأخذوه إلى معسكرات “أشبال الخلافة”.
تضيف المرأة الثلاثينية: “حين تهجمت عليهم صارخة ليعيدوه إلي، اقتادوني أمام زوجي إلى الغرفة الثانية، وانهالوا باغتصابي بالتناوب الواحد تلو الآخر، كانوا عشرة، لم يحرك زوجي ساكناً أمام توسلاتي بإنقاذي، بل كان يبادل كل من ينتهي من مهمته بالابتسامة، نعم فزوجي نمر كان نمراً من ورق “.
تمسح سعاد دموعها بطرف منديلها الأسود وتتابع: “بعد أن رحلوا قررت أن أنهي حياتي، وحاولت الانتحار، وبالفعل جلبت حبلاً وشددته بمروحة السقف الهوائية، لكن بكاء طفلَتي علي وصراخهما وتشبثهما بي، كل ذلك أخافني عليهما من بعدي، فقررت ملازمة الصمت، وسلمت أمري لخالقي”.
تصمت قليلاً، وتتابع: “بعد تلك الحادثة سمعت عن نساء انتحرن بعد أن اغتصبهن مقاتلو داعش في بيوتهن مثلي تماماً، كنت أموت في كل لحظة مئة مرة بسبب زوجي نمر، الذي لم يُجنِ علي أنا فقط، بل جنى أيضاً على أخته “حفصة” التي كانت تعيش هي الأخرى في “الرقة” مع زوجها وأطفالها الخمسة، فحين علم “نمر” نية شقيقته وزوجها بالفرار من المدينة؛ عمد إلى تبليغ عناصر داعش بذلك، وهم بدورهم راقبوهم، وتمكنوا من اعتقالهم يوم فرارهم، وعندئذ قطعوا رأس زوجها أمام الناس في دوار “النعيم” الشبح الذي يرعب ذكره قلوب من عاشوا أيام داعش، فقد شهد الدوار مقتل العديد من الضحايا والأبرياء من المدنيين، ولذلك فقد اشتهر اسمه بين الأهالي بدوار الجحيم “.
تتنهد سعاد، وتكمل: “بعد مقتل الزوج، أخذت الحسبة ( الشرطة النسائية في التنظيم) “حفصة” إلى إحدى المضافات التي كانت تجبر أرامل مقاتلي داعش، وكذلك القادمات من العرب والأجانب للانضمام إلى صفوفه، على الإقامة فيها، ومن ثم الزواج من عناصر داعش، وهذا ما حصل مع” حفصة” ليجبرها أحد مقاتلي التنظيم على تسليم ولديها التوءم ” كمال وجمال” إلى معسكرات أشبال الخلافة “.
تلتقط سعاد سيجارة من علبة حقيبتها وتشعلها: “بعد وصول حفصة إلى الميادين سمعت من “نمر” خبر حتفها مع أطفالها الثلاثة، بعد محاولتهم الفرار، ومقتلهم إثر ألغام اعتاد التنظيم زراعتها حول المدن التي وقعت تحت قبضته “.
وأما زوجي فقد لازم شرب الخمر والسكر، وزاد من مصيبتي حين جاءني بخبر مقتل ولدي”يونس”، وقتئذ استنجدت بجارتي وزوجها لينقذوني من الجحيم الذي أعيشه، وبالفعل تمكن جارنا من إنقاذي أنا وطفلتي وزوجته برفقة أولادهما، وإيصالنا إلى مخيم “عين عيسى “بمدينة الطبقة في الرقة.
تتابع: “وفيما بعد سمعتُ من إحدى النساء اللواتي هربن من الرقة، بأن بيتي قد دُمر أثناء قصف طائرات التحالف الدولي للمدينة، وقد قتل زوجي في تلك الغارة، لم أحزن عليه ولم تدمع عيني على موته، لأنه لم يرحم أحداً، لا أنا ولا أخته ولا حتى أولادنا، فقد تسبب في حرماني من كل شيء، من ابني، شرفي، كرامتي، من حياتي، فليذهب إلى الجحيم، لأنه هو وأمثاله من تسببوا في انهيار بلدنا، وأرضنا، وتسليمها لتنظيم داعش الذي سبى وقتل ونهب ودمر حياتنا”.
تحت غطاء الدين، وادعائه تطبيق الشريعة، مارس تنظيم داعش، أبشع أشكال الاستغلال تجاه المرأة من قتل واغتصاب وخطف، في المناطق السورية التي سيطر عليها، وهو ما يعتبر كارثةً حقيقية، خاصةً مع حالة التكتم المحيطة غالباً اتجاه هذه الجرائم، لتمثل سعاد قصة من بين الآلاف اللواتي ينتظرن من يرأف بحالهن.
*نشرت هذه المادة لأول مرة بتاريخ 29/10/2020