“الإجابة عن سؤال لماذا تتواصل جرائم الشرف لا تحتاج شرحاً معقداً. بكل بساطة، عندما يفرق القانون في العقوبة التي يفرضها على إنسانٍ قتل إنساناً آخر، فيشددها إن كانا لا يرتبطان برابطة عائلية، ويخففها فيما لو القاتل أباً أو أخاً أو زوجاً للضحية المطعون بشرفها، عندها لا تتوقع أن تخف جرائم الشرف، بل ستزيد بشكلٍ طبيعي، بمجرد أن يعرف القاتل أن هنالك من يحمي ظهره بهذه الطريقة أو تلك”.
بهذه الكلمات، يصف المحامي سفيان كيال النزعة التمييزية التي تسم بعض مواد قانون العقوبات الصادر عام 1959 والذي لا يزال معمولاً به في سوريا حتى اليوم، ولا سيما تلك المواد المرتبطة بعقوبة “الزنا” وما يسمى بـ”جرائم الشرف” في البلاد، سواء من خلال الطرق التي اتبعها هذا القانون لإثبات وقوع بعض الجرائم، أو من خلال العقوبة التي يقرها للفعل ذاته، فتكون العقوبة تمييزية بشكل ظالم ضد المرأة. ويستحضر كيال في هذا الصدد المادة رقم 473 والتي تشكل مثالاً فاقعاً على عملية التمييز الواقع ضد المرأة، حيث تحدد هذه المادة عقوبة “المرأة الزانية” بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وحددت العقوبة نفسها على الرجل إذا كان متزوجاً، لكنها خففت العقوبة في حال كان غير متزوج من شهر إلى سنة فقط، لكنها لم تجري تخفيفاً مماثلاً في عقوبة المرأة الزانية في حال كانت غير متزوجة!
وبالطريقة ذاتها في التمييز، يعترف قانون العقوبات السوري بجميع وسائل الإثبات فيما يخص جريمة الزنا عند المرأة، لكنه لا يعترف بذلك عند الرجل إلا في حالة واحدة، وهي الحالة التي تسمى بالإقرار القضائي، أي أن يقف الرجل أمام القاضي ويعترف بجرمه، أو أن يكون إثبات الحالة قد تم من خلال الجرم المشهود أو ما نشأ عنه من رسائل ووثائق خطية. ما يعني إخلالاً واضحاً بمبدأ المساواة أمام القانون الذي أقره الدستور السوري الجديد الصادر عام 2012.
بدورها، ترى الطالبة في كلية الحقوق بدمشق، زهراء الصوفي، أنه “مهما تحدثنا عن ظلم القانون وتمييزه ضد المرأة، تظل المادة 548 هي المادة الأكثر إجحافاً وإلحاقاً للأذى بالأنثى”، في إشارة منها إلى نص المادة الذي يقول حرفياً: “يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو اخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو ايذائهما أو على قتل أو ايذاء أحدهما بغير عمد، ويستفيد مرتكب القتل أو الأذى من العذر المخفف إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر”، وتتابع الصوفي: “رغم رفضي للمادة من أساسها، لكن اعتراضي عليها ليس لأنها تخفف عقوبة القتل لسببٍ ما فقط، بل لأنها لا تتعامل مع موضوع الزنا بوصفه جريمة توقع الأذى على المجتمع، وإنما بوصفه جريمة توقع الأذى على الرجل، وهذا يعني التفريق في وقوع الأذى النفسي بين المرأة والرجل، وكأن هذا الأخير إنساناً أما الأولى فلا”.
ورغم الاحتجاجات الكبيرة على هذا النوع من المواد القانونية، لا تزال الحجة الرئيسية التي يجري إيرادها في هذا السياق هي أن المجتمع “ليس جاهزاً لهذا النوع من التغيير في القوانين”، وفي ردها على هذا الزعم، تقول الحقوقية أريج علي ديب إن “هنالك حقوق بديهية لا ينبغي أن تسلب من المرأة أياً كان الظرف، ونحن لا نطالب بأن نحصل على كامل الحقوق المرأة دفعة واحدة فهذا غير ممكن حتى لو كان هنالك قرار بذلك، لكن يمكن أن يتم ذلك بالتدريج، لكن ما نراه هو حالة من الخمول شبه التام فيما يتعلق بهذا الموضوع، فما المبرر من إبقاء بعض المواد التي تم إدراجها منذ أكثر من خمسين عاماً لتحكمنا اليوم وقد حدثت تطورات اجتماعية كبيرة في وضع المرأة السورية؟ إن هذا يسترعي منطقياً من القوانين أن تلاحق تطور وضع المرأة الاجتماعي والتساوق معه لتمكين النساء في المجتمع، حيث تشكل المرأة السورية أكثر من نصف المجتمع من حيث التعداد، فهل من العدل أن نظلم ما يزيد عن 51% من المجتمع بحجة أن المجتمع غير جاهز!”.