خارج قاعة المحاضرات وفي بهو كلية التربية بجامعة طرطوس، ألصقت الهيئة الطلابية ورقة كُتب عليها أمنيات ٢٠١٩، فكان جداراً منح الطلاب مساحة حرة ليكتبوا وليعبروا خارج منظومة الرسميات عما يجول في خاطرهم من هواجس قصيرة وطويلة الأمد، وأحلام قريبة التحقق وبعيدة الأجل، فكانت أمنيات منها ما يريد تغيير واقع، ومنها ما يفضل صنع واقع آخر، بينما أخرى تريد صناعته مع مرور الزمن.
فأن تصبح مليونيراً أو أن يكون لديك الكثير من المال هي بعض الأمنيات المكتوبة التي ليست بالأمر الذي قد يتحقق بين ليلة وضحاها، وليس السفر أيضا بأقرب منه تحققاً، وكذلك هو الحال لما كتبته إحداهن بأن “يتسرح حبيبي ويعمر بيت ونتزوج”. ثلاث أمنيات على ورقة واحدة، ألقت كاتبتها بكافة التبعات على عاتق الشاب، فبدا طريقه شاقاً وطويلاً ليحقق أمنيات فتاته. ذلك على عكس “علي” الذي لا تتمنى له كاتبة الأمنية سوى أن يتسرح من الخدمة العسكرية، بينما نحن القراء ليس لنا سوى أن ندعو لهما بالعودة السالمة.
وسواء أكانت هواجس أم عقبات أم أحلام، إلا أن جميعها أخذت طريقها الى الجدار لتعبر عن أمنية ما. فقط المدة الزمنية التي تفصل بين صاحب الأمنية ولحظة تحققها هي ما يجعلنا ندرك حجم الهموم ولربما حجم الطموح. فعشرة أيام فاصلة بين جدار الأمنيات والاستعداد لامتحانات الفصل الأول جعلت الكثيرين من الطلاب يتمنون النجاح بمواد محددة شكلت عائقا في الترفع لصعوبتها أو ربما هاجسا في حساب المعدل النهائي لصعوبة سلم تصحيحها. ذلك على خلاف الأمنيات التي رسمت مستقبلا لدى من كتبوها، فتجاوزوا عنوان الجدار ليكتبوا طموحهم بأن “صير دكتورة بالجامعة”، أو أمنية تجمع نفراً من الطلاب “نكون من الأوائل”.
بعض الطلاب اندفع بأمنيته لحد “نذر عجل اذا ترفع في السنة الأولى”، هذا ما دفعني لأفكر بالثروة التي قد يتكفل بها أهل المتمني لحين تخرجه من الجامعة، إلا ان التروي قد يكون سيد الموقف فأمنية “يلزقني الحظ” التي كتبها أحدهم كانت لتبدو أوفر ثمناً وتضمن في ذات الوقت الترفع وأشياء أخرى أيضاً، ولكن لكل منا طريقته في التمني.
يأخذ جدار الأمنيات طريقه ليصبح تفاعلياً بين الطلاب، فعندما يتمنى أحدهم أمنية ويلصقها، يذيلها شخص أخر بتمنياته أن تتحقق. كما هي الحال مع من ترجو أن “يرجع محمود بخير”، فيأتيها دعاء مذيل على نفس الورقة “يا رب يا عزيزتي”. بينما بعض الأمنيات تلقى لدى بعض الطلاب صدى إيجابياً فيتمنون هم كذلك ما تمناه سابقهم، فيزيدون عليها جملة، إشارة، أو ربما رسمة. كما هو الحال مع “سناء” التي تمنى لها أحدهم كذلك أن “الله يهدي أهلي”. ولا يسعنا هنا النقاش فبين الطالب واهله شؤون كثيرة.
لم يغب عن بال بعض الطلاب أهم ما يتداولونه فيما بينهم، سواء عن الهيئة التدريسية أو عن ظروف قاعات التدريس لتصبح أمنيات أحدهم أن “يحنوا الدكاترة علينا”، وهنا المعنى في قلب الطالب وليس في قلب الشاعر، بينما آخر كان أكثر تحديداً فهو يطلب ” تأمين الكهرباء لأنو برد كتير”.
وبين الامتحانات والمحاضرات والجامعة يكمن الحب والصداقة، وما بينهما من علاقات اجتماعية تكبر وتتغذى على تجارب وخبرات قد تؤسس لصداقات لمدى الحياة لتأتي أمنية “نترفع سوا”، وأمنية أخرى “أبقى أنا وإيناس رفقة”. بينما أمنيات الحب جاءت على هوى المتمني، فمنها من قطع وعداً “في السنة الجديدة بوعدك مارح أتركك”، ومنها من تمنى “فوت بعلاقة جديدة”. بينما أخرى تمنت كل “سنغل يرتبط”.
وتبقى لنا أمنياتنا غير المعلنة، فنبخل بالبوح عنها، ربما لأنها مازالت ترسم طريقها وتتلمس دلالاتها، وربما لأن تفاصيلنا اليومية وضغوط حياتنا لم تسمح لنا بالتفكير ملياً بما نريد فعلاً، فليس الحلم بأمر بسيط وليس التمني بأبسط منه، بل يتطلب الكثير من الوقت والمعرفة لندركه، وإلى أن تسنح لنا الفرصة بذلك، قد تأتيك ساعة التمني على غفلة ربما حينها لن يكون لنا سوى كتابة “خلي بكرا لبكرا”، أو نترك حلماً صغيراً بدلالة كبيرة، فنتمنى أن “تشتي الدني”.
شؤوننا الصغيرة ليست بأقل من طموح بسفر أو تمني بالنجاح، فهي التي تبقى رفيقة لنا على طول الدرب الذي نقطعه ريثما نحقق ذلك الحلم الأخير، وإلى أن يحين ذلك الموعد؛ لابد أن نهتم بجزئيات حياتنا وتفاصيلها اليومية، كأن أبقى بصحة جيدة، أو أن أبقى “مبسوطة” على حد تعبير أحدهم، أو بكل بساطة “ينقص وزني”.
باختلافنا تتعدد همومنا، ظروفنا، تفاصيلنا، وحياتنا، وبالتالي طموحاتنا وأمنياتنا، وبين شؤوننا الصغيرة وحلمنا الأخير الذي لم ندركه بعد، جدار أخذ الطلاب يكتبونه خارج قاعاتهم الدراسية بأمنيات تتجدد وترسم طريقها خارج الجدار لتتحقق يوماً، بشفاء أم ودوام الصحة، بتسريح حبيب وبقاء الصداقة، بالنجاح بمعدل أو فقط تشتي الدني وتبقى سوريا بخير.